بقلم سليمان جودة
أتابع يوماً بعد يوم ما يجرى فى كوريا الجنوبية، وأتمنى لو يلتفت مسؤولونا فى أعلى مستويات الدولة إلى معنى ما يحدث هناك، وإلى أن هذا المعنى هو بالضبط الذى أوصل الكوريين الجنوبيين إلى وضعهم المعتبر بين أمم الأرض!
والقصة لها بداية.. ففى عام 1962 كان الرئيس الكورى اسمه بارك شونج هى، وكان يلاحظ أن القاهرة تقطع خطوات إلى الأمام، وكان أن أرسل بعثة من عنده تسأل عما نفعله، ليأخذ منه الدرس، وكان دخل الفرد عنده فى حدود 700 دولار سنوياً، وكان دخلاً يجعل المواطن يعيش بالكاد على الكفاف!
وجاءت بعثته وعادت، وأخبرته البعثة العائدة بأن القاهرة تفعل كيت وكيت، وأنها وضعت خطة خمسية اقتصادية طموحة، وأنها تقطع فيها أشواطاً تدعو إلى الإعجاب، وأن خطة المصريين بدأت عام 60، وتنتهى عام 65، بأهداف محددة، وواضحة، ولا هزار فيها!
وقرر الرئيس بارك شونج هى أن يسابق مصر، وأخذ المسألة بالجدية التى تليق بها، وبه، وببلده، وانطلق السباق، ودار الزمان دورته، ليجىء عام 2016، بينما كوريا الجنوبية التى تطالع العالم بوجهها فيه، لا علاقة لها، من قريب ولا من بعيد، بما كانت عليه، من فقر، وبؤس، وتعاسة، فى مطلع ستينيات القرن الماضى!
قفز دخل المواطن السنوى، بين العامين، من 700 دولار إلى 25 ألف دولار، وصار البلد يمتلك صناعات تنافس أعتى قلاع الصناعة فى العالم، وفى مقدمتها صناعة السيارات، التى هى الخامسة تقدماً، بين مثيلاتها فى عواصم الدنيا!
ترأس كوريا الجنوبية، الآن، امرأة.. أما اسمها فهو: بارك جيون هى.. وأما أبوها فهو: بارك شونج هى!.. الذى كان رئيساً عام 62.. إنها ذرية بعضها من بعض!
ولأنها كذلك، فإن مواطنى الرئيسة لم يغفروا لها ما حدث مؤخراً، رغم أنه فى حقيقة الأمر ليس فى يدها، ورغم أنها لا دخل مباشراً لها فيه.. ولكنها الرئيسة.. يعنى هى المسؤولة أمام كل مواطن، فى أول الأمر، وفى آخره!
إن لها صديقة اسمها تشوى سون سيل، وهى مجرد صديقة للرئيسة، منذ ما قبل الرئاسة، ولا تحتل أى منصب فى الدولة، ولكنها استغلت صداقتها برأس البلاد وتورطت فى عمليات ابتزاز وفساد واسعة، فجاءوا بها إلى الحبس، ولاتزال موضع استجواب وتحقيق!
أما الرئيسة فقد خرجت وقدمت اعتذاراً علنياً لكل كورى جنوبى، وقالت إنها مستعدة للمثول أمام النيابة فى أى لحظة، وإنها لا تغفر لنفسها ما جرى، وإنها لا تنام ألماً مما حدث، إذا جاءها الليل!
إذا كانت الدولة دولة قانون، وصلت حتماً إلى ما وصلت كوريا الجنوبية إليه!