بقلم سليمان جودة
تبدو الدنيا كلها سعيدة بقرارات الأمس، إلا المواطن المصرى الذى يتطلع نحو السعداء بالقرارات داخل البلد، وخارجه، ولسان حاله يردد ما نردده فى الحالات المماثلة، عن أن واضع يده فى الماء ليس أبداً كمن يضعها فى النار!
يبدو صندوق النقد سعيداً، ومعه البنك الدولى، ومعهما حكومات، واقتصاديون، وخبراء فى شتى أنحاء الأرض، ويتطلع المواطن المصرى المصاب فى عملته الوطنية، نحو سعادتهم، وهو يسأل نفسه فى قهر: هل سيكونون سعداء بالدرجة نفسها لو كانوا فى مكانى، ولو كانت معاناتهم مما جرى اتخاذه من قرارات هى ذاتها معاناتى؟!
يتأمل المواطن الحزين منظر الجنيه فى يده، ويسأل نفسه عما سوف يفعله به، بعد اليوم، وعما إذا كان سوف يسعفه إذا ما أراد أن يأخذ وسيلة مواصلات عامة من بيته لعمله، أو العكس؟!.. هل سيقبله منه سائق الميكروباص، كما كان يقبله من قبل، أم أنه سوف يخيره بين أن يدفعه مضاعفاً، أو ينزل فى عرض الشارع، يبحث له عن أحد يقبل الجنيه من يده؟!
يتأمل المواطن البائس راتبه فى يده، ثم يتساءل فى ألم: ماذا أفعل به بعد اليوم، وقد بادره طارق عامر بضربة أفقدته نصف قيمته فى لحظة؟!.. ماذا أفعل بالألف جنيه مثلاً، وقد باتت مساء الأربعاء ألفاً، مثل سائر عملات بلاد الله، فإذا بها خمسمائة فى صباح الخميس بقرار لم يستغرق دقيقة من محافظ «المركزى»؟!
يتفرس المواطن التعيس فى جنيهاته القليلة بين يديه، ثم يساوره إحساس بالعجز الكامل، عندما يتذكر أن قراراً قد نزل عليها بالتخفيض 50٪ مرة واحدة، ودون مقدمات!
يفرد المواطن البائس جنيهاً أمام عينيه ويدقق فى ملامحه تارة، وفى معالمه تارة أخرى، ويتخيل حاله لو راح يمد يده بهذا الجنيه إلى صاحب أى سلعة.. هل يبادله إياها بالجنيه، أم يرده إلى بيته، ومعه الجنيه الجريح!
يرنو المواطن المسكين إلى أى شاشة تليفزيونية يصادفها فى طريقه، ويختلس إليها النظرات، ثم ينصت، لعله يسمع شيئاً يريح باله المتعب، فتأتيه أصوات من أعضاء فى الحكومة، ومن رجال اقتصاد، يطمئنونه على أن تعويم الجنيه لصالحه، وأن رفع أسعار البنزين، والبوتاجاز، والسولار فى صفه فى النهاية، ويتلفت حوله مفتشاً عمن يعينه فى لحظته، فيجد نفسه وحيداً ينزف جيبه دون توقف!
يبحث المواطن المكسور عمن يشاركه مشاعره فى حالته، فيكتشف أن قلبه ينزف مع جيبه، وأن الجنيه فى يده أعزل تماماً فى مواجهة الدولار، وأن حاله من حال الجنيه!