القاهرة - مصر اليوم
كان الدكتور أحمد عكاشة أول مصرى يحصل على الدكتوراه فى الطب النفسى.. وكذلك كان أول عربى.. وقد أحس منذ اللحظة الأولى بأن ريادته فى مجاله تضع على كتفيه مسؤولية كبرى، فعاش يحمل هذه المسؤولية تجاه مرضاه ولا يزال!
كان إحساسه منذ عاد من لندن حاصلًا على الدكتوراه أن أمامه رسالة ضخمة، وأن عليه أن يؤديها بأمانة، وأن هذه الرسالة هى أن يزيل وصمة العار عن المريض النفسى.. وعلى مدى ٥٥ عامًا فعل ذلك بحماس الشباب، ولا يزال يفعله بحماس أكبر!.. ويقينه أنه نجح فى أداء رسالته إلى حد بعيد، وأن نجاحه كان من خلال وضع ميثاق جديد للجمعية العالمية للطب النفسى عندما ترأسها لسنوات، ثم من خلال كتابه «الطب النفسى المعاصر»، الذى يمثل مرجعًا فى موضوعه، والذى صدرت منه ١٧ طبعة!.. وفى الطبعات الحديثة كان ابنه الدكتور طارق عكاشة، أستاذ الطب النفسى فى عين شمس، مشاركًا فى تحديثها وحاضرًا!
أما وصمة العار فهى النظر إلى كل مريض نفسيًا على أنه مريض عقليًا.. أى مجنون.. وهذا ليس صحيحًا بالمرة، لأن الطب يعرف نوعين من المرض، مرض عضوى، وآخر نفسى، ولأن الأمراض النفسية، مثل الاكتئاب، والقلق، والفصام، والهلاوس، والضلالات، لا علاقة لها بعقل المريض، ولا بغيابه عن رأسه!
وأما مناسبة هذا الكلام، فهى صدور كتاب جديد للدكتور عكاشة عن دار بتانة يحمل هذا العنوان: نفسى.. حكايات من السيرة الذاتية!.. الكتاب حرره زميلنا الكاتب الأستاذ محمد السيد صالح، وقد صدر فى لغة رائقة يستحق عليها الاثنان كل التهنئة!
سوف تطالع فصولًا ممتعة عن النشأة فى العباسية، وعن الدراسة هنا وفى الخارج، وعن الأسرة، وعن الشقيق ثروت عكاشة، الذى كان وزيرًا، وإنسانًا، ومثقفًا فريدًا من نوعه، وقد زرته ذات مرة فى بيته فى المعادى، فلما قرأت الكتاب أحسست بمدى صدق حديث الشقيق عن الشقيق.. وسوف تطالع فصولًا عن علاقة الدكتور عكاشة بعبدالناصر، وعامر، وصلاح نصر، وعن الراحل الكبير أحمد أبوالفتح، زوج الشقيقة ثريا، وعن رأى الطب النفسى فى السلطة، وعن الزار وعلاقته بالطب النفسى، وعن.. وعن.. وفى كل الحالات كان شعار الطبيب أحمد عكاشة هو: إلا أسرار مرضاى!
وسوف تعرف أن منظمة الصحة العالمية ترى الصحة النفسية فى القدرة على التكيف مع ظروف الحياة، وبالتالى فى العمل والعطاء بحب وإتقان، وأن الأمريكان أثبتوا علميًا أن كل دولار يجرى إنفاقه على الصحة النفسية يعود على خزانة الدولة بأربعة دولارات.. فلتنصت الدولة إلى الرجل فى هذه القضية التى هى قضيته بامتياز.. وسوف تكسب!.