بقلم: سليمان جودة
فى وقت من الأوقات طلب أحد مستشارينا الثقافيين فى ڤيينا المد له فيها.. ولأنه كان يعرف أن القانون لا يُقر ما يطلبه، فإنه عرض أن يعمل دون راتب يتقاضاه، وعندما عرف الرئيس الأسبق حسنى مبارك بذلك أمر بأن ينزل المستشار الثقافى صاحب الطلب على الفور، وألّا يبقى أى مستشار ثقافى فى مكانه أكثر من المدة القانونية المقررة!.
وعندما كان السفير محمد شاكر سفيرًا لنا فى لندن، طلب الأستاذ جهاد الخازن من مبارك المد له فى عاصمة الضباب، ولكن الرئيس الأسبق رفض الطلب، وأبلغ الخازن أنه لا يستطيع ذلك، وأن حركة السفراء تنظمها قواعد مستقرة فى وزارة الخارجية.. وقد كتب جهاد الخازن هذه القصة فى مقالته على الصفحة الأخيرة من صحيفة الحياة اللندنية التى كان يترأس تحريرها!.
كان شاكر عميدًا للسلك الدبلوماسى فى العاصمة البريطانية، ولا أظن أنه طلب ذلك من الأستاذ الخازن، الذى أتصور أنه فاتح الرئيس فى الموضوع متطوعًا ومدفوعًا بصداقته مع محمد شاكر!.
ولكن السفير بدر عبدالعاطى، سفيرنا فى العاصمة البلجيكية بروكسل وفى مقر الاتحاد الأوروبى فيها، يعمل منذ وصل إلى هناك على أساس واحد.. هذا الأساس هو أن بلده أرسله سفيرًا فى مهمة لا تحتمل الانتظار، وأن عليه أن ينجزها، وأن الوقت المتاح أمامه معروفة بدايته ونهايته، وأنه لابد أن يوظفه لصالح بلده كما يجب أن يكون توظيف الوقت والأدوات فى العمل الدبلوماسى!.
وهو يؤمن بأن وجوده سفيرًا لدى مقر الاتحاد يعنى أنه سفير لدى ٢٧ دولة، هى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.. يؤمن بذلك ويواصل عمله على هذه الأرضية، رغم أنه يعرف طبعًا أن لنا سفيرًا مقيمًا فى كل عاصمة من عواصم هذه الدول!.
أقول ذلك وأنا أتابع نشاطه فى بروكسل.. فلا يكاد يمر يوم إلا ويكون فى لقاء مع مسؤول من مسؤولى الاتحاد، وقد جلس معه يشرح له ويوضح أن القاهرة تشهد كذا وكذا، وأن على قيادة الاتحاد أن ترى ذلك وأن تكون مساندة لنا لأننا بلد يلتزم المسؤولية الدولية فى كل ما يمارسه!.
أرى السفير عبدالعاطى سفيرًا فوق العادة من حيث مستوى الأداء الذى يؤديه، وأراه نموذجًا للسفير الذى يدرك مسبقًا أنه ذاهب إلى مكانه ليمثل مصلحة كل مصرى، لا إلى نزهة، ولا إلى فسحة، وأن بلاده فى أشد الحاجة إلى كل دقيقة من وقته، وأنها لا وقت عندها تضيعه!.