بقلم سليمان جودة
تلقيت رسالة حزينة، من صديق عزيز قضى فى العمل الأهلى التطوعى 20 عاماً، ثم قرر تقريباً بعد إقرار قانون الجمعيات الأهلية الجديد فى البرلمان، أن يتوقف عما كان يفعله على مدى العشرين عاماً، لا لشىء، إلا لأن القانون الجديد يتعامل معه، ومع الذين هم مثله، على أنهم متهمون، وربما على أنهم مدانون، إلى أن يثبت العكس!
الرجل الذى لم أستأذنه فى نشر اسمه، يملك فى سجل العمل الأهلى التطوعى، وخصوصاً فى الصحة والتعليم، ما يملأ كتاباً من الغلاف إلى الغلاف، ولم يكن فى مشواره الطويل ذاك، ينتظر شيئاً، لا من الحكومة، ولا من المواطن، لأنه كان يمارس مهمته التطوعية الأهلية عن قناعة بأن بلده له حق فى رقبته، وأن عليه أن يؤدى هذا الحق، دون انتظار شىء من أحد، ولأن ثوابه فى النهاية عند الله تعالى.
ولابد أن قراره هو أولى ثمار القانون الجديد، على نحو عملى، كما لابد أن آخرين سوف يسلكون نفس سبيله، عندما يقرأون فى إحدى مواد القانون الجديد ما ينص على إخضاع أعضاء مجالس إدارات الجمعيات الأهلية لقانون الكسب غير المشروع، أو يقرأون فى مادة أخرى، أن العقوبة على كل من يتلقى مالاً محلياً من متبرعين مصريين، دون موافقة مسبقة، تصل إلى السجن خمس سنوات!
هل نتصور أحداً ممن اهتموا بالعمل الأهلى التطوعى، ودعموه، يمكن أن يواصل هذا الطريق، وهو يرى أن القانون الجديد يضع أمواله وممتلكاته تحت شبح الحراسة بسبب مخالفة إدارية، ويلزمه بإقرار ذمة مالية يتم تحديثه سنوياً؟!
لماذا وجع الدماغ إذن، إذا كان هو يستطيع مع غيره، تجنب هذا كله، والتوقف تماماً عن دعم أى عمل أهلى، يمكن أن يجلب عليهم المتاعب؟!
الصديق العزيز يقترح أن ننشئ إدارة للجمعيات الأهلية فى وزارة الداخلية، لتتولى الوزارة أمرها!.. أو أن نلحق الجمعيات بوزارة المالية، لتتولى هى الإنفاق عليها!
إن الحكومة لو طلبت من عدو أن ينصحها بشىء فى القانون الجديد، فلن ينصحها بأكثر مما جاء فيه، لأنه لا يفرق بين تنظيم العمل الأهلى، وبين مصادرة العمل الأهلى، وبالتالى، فإنه قد راح يصادره تماماً، وهو يقصد أن ينظمه!
الأمل الباقى فى ألا يضع الرئيس توقيعه على القانون الموجود على مكتبه الآن، فالدستور يمنح الرئيس هذا الحق، ويمنحه حق إعادة القانون إلى البرلمان، مع عبارة، بعد إذن الرئيس، تقول الآتى: يُعاد إلى البرلمان، ويؤخذ فيه عند إعادة مناقشته بملاحظات الحكومة، ورجال العمل الأهلى الكبار، لأن هناك فرقاً بالتأكيد بين أن ننظم العمل الأهلى، وبين أن نصادره!
إذا لم يبادر الرئيس بشىء من هذا.. فمن سيبادر؟!.. رجائى ألا يخذل الرئيس الذين خذلهم البرلمان!