بقلم : سليمان جودة
لا عُذر عندى للذين انخدعوا سنين طويلة فى رجل عاش يصف نفسه بأنه داعية، ويضحك على الآخرين بابتسامة صفراء كانت تميزه.. وقد كان، وربما لايزال، يستخدمها فى الشُغل، ويوظفها فى نصب أكثر من فخ فى طريق الناس.. لا أكثر!.
لا عذر عندى للذين استيقظوا فجأة على وجوده فى إعلان ترويجى لسلعة من السلع فى رمضان!.. ولا عذر للذين لطموا الخدود بأعلى صوت لأنهم اكتشفوا.. فجأة أيضاً.. أن الداعية إياه يخلط الدين بما لا يجوز أبداً الخلط بينه وبين الدين!.
لا عذر من أى نوع!
ولا عذر كذلك للذين انخرطوا فى نوبات من البكاء، ندماً على كل لحظة صدقوا فيها كلمة واحدة من كلمات داعية كان على مدى سنوات يسقى مُريديه سُماً، وخصوصاً الشباب منهم، وكان يمارس أكبر عملية غسيل عقول من خلال التليفزيون فى كل بيت، وكان يفعل ذلك على مرأى من الجميع!.
لا عذر عندى من أى نوع لأن الخطأ ليس خطأه هو.. وإنما خطأ الذين سمحوا له بالتواجد على أوسع الشاشات انتشاراً، وخطأ الذين صدقوا حرفاً مما كان يقوله، ومما كان يُغلفه فى كل مرة بالابتسامة الصفراء.. ثم خطأ الذين اعتقدوا.. ولو للحظة واحدة.. أنه مهموم بالدين، أو أنه مشغول بمبادئ الإسلام ومقاصده العليا.. لم يحدث هذا فى أى وقت.. لقد كان الأمر بالنسبة له تجارة فى تجارة!.
فهو عندما ظهر.. فجأة.. فى الإعلان لم يُغير المهنة، ولكنه فقط غيّر السلعة!.
ومما يمكن أن يسعفنا فى هذا المجال أن طائراً كان يعيش فوق شجرة تطل على شاطئ، وكان إذا عطش نزل فشرب، ثم عاد آمناً إلى العش من جديد، وكان يفعل هذا باستمرار دون مشكلة.. وكان يتحاشى الناس على الشاطئ قدر الإمكان!.
وذات مرة هبط يشرب بالقرب من رجل كان يغتسل على الشاطئ، ولم يتجنبه كما كان يتجنب سواه فى المرات السابقة، وكان السبب أن الرجل كان صاحب لحية، وكانت اللحية كافية لأن تجعل الطائر يطمئن.. ولكن.. ما إنْ اقترب منه حتى قذفه الرجل بحجر كسر منقاره!.
وقد فكر الطائر فى الاختصام إلى النبى سليمان، الذى كان الله تعالى قد أعطاه القدرة على فهم لغة الطير، وقد جاءوا بالرجل إلى مجلس سليمان عليه السلام، وقد سألوه فاعترف بأنه بالفعل قذف الطائر بالحجر، وأن ذلك جرى من جانبه دون ذنب من المجنى عليه!.. وصدر الحُكم عليه بكسر أنفه، ليكون الأنف فى مقابل المنقار!.
لكن الطائر رفض واستأنف الحكم، لأن أنف الرجل لم يكن هو الذى آذاه، وإنما لحيته هى التى خدعته، وطلب بالتالى إزالتها حتى لا ينخدع غيره بها، كما حدث معه حين رآها للوهلة الأولى!.. ليس هذا معناه بالطبع أن كل صاحب لحية مخادع.. فبين أصحاب اللحى أتقياء.. وإنما المعنى فى القصة أن اللحية ليست دليلاً وحدها على أى شىء!.
أما صاحبنا الداعية الذى انخدع فيه مريدوه.. والذى غيّر السلعة ولم يغير المهنة.. فقد فعل كل ما فعله دون لحية طويلة.. ولا حتى قصيرة!.
نقلًا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع