توقيت القاهرة المحلي 09:42:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليست لغزاً ولا يحزنون

  مصر اليوم -

ليست لغزاً ولا يحزنون

بقلم: سليمان جودة

إذا كنت ممن يتابعون مسار الحرب الروسية على أوكرانيا، منذ أن بدأت في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الماضي، فسوف تلاحظ هذه الأيام بالعين المجردة، أن القوات الأوكرانية تواجه صعوبات لم تكن تجدها في طريقها طوال سنة مضت.
بل إن هذه القوات كانت تحقق انتصارات على القوات الروسية، رغم ما بين الجيشين من فروق، تجعل أي مقارنة بينهما لصالح الجيش الروسي بالتأكيد.
ولا يزال كثير من المحللين لا يستوعبون، كيف يمكن لجيش في حجم جيش روسيا أن يظل على مدى سنة كاملة يحاول اختراق أوكرانيا من جهة الشرق فلا يستطيع... إن ملعبه طوال السنة لم يخرج عن مناطق أربع في الشرق الأوكراني، وهي مناطق كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن ضمها إلى بلاده.
وبمثل ما كان عجز الجيش الروسي عن التقدم لغزاً غير مفهوم، بمثل ما إن الصعوبات المفاجئة التي يجدها الجيش الأوكراني في سبيله لغز آخر.
والحقيقة أن المسألة في الحالتين ليست لغزاً ولا يحزنون، ولكن يمكن فهمها بقليل من المتابعة لشأن هذه الحرب منذ بدأت إلى اللحظة.
في الحالة الأولى، كان عجز جيش روسيا عن التقدم راجعاً إلى أنه لا يقاتل الجيش الأوكراني بقدراته وحدها، ولكنه يقاتل جيشاً تقف وراءه الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما بكل ما هو ممكن من سلاح وعتاد... وإذا كان الحال كذلك، وهو كذلك بالفعل من خلال ما نراه ونتابعه، فمن الطبيعي أن يكون التقدم من جانب الجيش الروسي صعباً وربما يكون مستحيلاً.
وقد بدأ بوتين حربه، التي يسميها «عملية عسكرية»، وهو لا يتصور أن يكون وقوف الولايات المتحدة وأوروبا وحلفائهما إلى جوار الأوكرانيين بهذا الشكل الحاصل، ولو كان قد توقعه لكان قد حسبها قبل بدء عمليته، ولكان قد فكر طويلاً قبل إطلاق العملية.
ولا تعرف كيف غاب عنه ذلك، وهو رجل المخابرات المحترف، ثم لا تعرف كيف فاته أن المناطق الأربع ليست مثل القرم، التي قضمها من أوكرانيا في 2014، ولا تعرف كيف فاته أن العبرة ليست في القدرة على قضم القرم أو غير القرم، ولكن العبرة هي في القدرة على المرور بما قضمته، ثم العبرة هي في القدرة على ابتلاع القضمة، فضلاً بالطبع عن القدرة على هضمها.
وإذا كان الرئيس الروسي قد قضم القرم قبل ما يقرب من عقد من الزمان، فهذا لا يعني أنه ابتلعها أو هضمها، أو أنه قادر على ذلك، والسبب أن تقادُم العهد بالقضمة القديمة لم يجعل أوكرانيا تنساها، وهذا ما نجده في التصميم الأوكراني، ليس فقط على استرداد المناطق الأربع، وإنما التصميم أصبح على استعادة القضمتين؛ القديمة والجديدة معاً.
قد يقول الروس إن القرم أرض روسية، وقد يقولون الشيء نفسه عن المناطق الأربع، وقد ينطوي ما يقولونه على ظل من حقيقة، وقد يكون حوله خلاف وفيه قولان، ولكن الشيء الذي لن تجد حوله خلافاً أن هناك فرقاً بين عقيدة الجيش الأوكراني في القتال، وبين عقيدة الجيش الروسي القتالية في المقابل.
الجيش الأول يقاتل عن عقيدة بأن هذه أرضه، وأنه لا تفريط في شبر منها، ولكن الجيش الثاني يقاتل عن عقيدة بأن هذه أرض متنازع عليها مع الخصم أو العدو، وقد يقاتل عن أن هذه أرض يجب احتلالها، وفي الحالتين لن يكون الأمر سواءً بين الجيشين، وستقاتل الأرض مع الجيش الأوكراني في كل حالاته، بالضبط كما تلعب الأرض مع فريق الكرة الذي يلعب على أرضه. وهذا ما تجده بوضوح في حديث، قال به يفغيني بريغوجين، قائد مجموعة فاغنر الخاصة، التي تحارب بعناصرها مع الجيش الروسي على الجبهة. إنه يصف أداء الجيش الأوكراني في الميدان، فيقول: «إنه جيش يقاتل حتى آخر رجل من رجاله».
ولا يقاتل على هذه الصورة التي يصفها رئيس «فاغنر»، إلا جيش يحارب على أرضه، ويخوض الحرب من أجلها، ولا يرتزق بما يفعله.
وإذا كان اسم يفغيني بريغوجين قد مرّ عليك عابراً، فيجب ألا يمر كذلك، ولا بد أن يستوقفك، أو تستوقفه أنت لحظات وتتوقف أمامه، لا لشيء، إلا لأنه ليس مجرد اسم عابر، ولأنه تقريباً المفتاح الذي يمكن به فك غموض اللغز الثاني.
فالمجموعة التي يديرها هذا الرجل تحارب بالأجر، ولا تخفي ذلك وإنما تعلنه، وهي تشبه النائحة المستأجرة التي كانت العرب تقول عنها أنها ليست كالنائحة الثكلى.
ورغم أن هذه المجموعة كذلك، فإنها كانت وراء الصعوبات التي يواجهها جيش أوكرانيا على أرض بلاده، التي يتحدث عنها الرئيس الأوكراني كثيراً في الفترة الأخيرة. وسوف يكون السؤال هنا على النحو التالي: كيف تكون جماعة مستأجرة، وكيف تكون جماعة بلا عقيدة تقاتل على أساسها، ثم تكون على هذا القدر من البأس الذي يسبب صعوبات لجيش نظامي مثل الجيش الأوكراني؟!
إجابة السؤال أن هذا هو السبب، وأن هذا هو التفسير، لأن الجيش النظامي يقاتل جيشاً نظامياً مثله، فينتصر عليه أو لا ينتصر، ولكن حربه مع جماعة مثل فاغنر ليست حرباً من نوع الحروب التي تدرب على مواجهتها، ولا على خوضها، وهو فيها يظل يواجه حرباً للعصابات أكثر مما يخوض حرباً نظامية.
ويزيد من الصعوبة في الحالة الأوكرانية، أن عناصر «فاغنر» تقاتل في الصفوف الأمامية، وتتقدم عناصر وجنود الجيش الروسي في الميدان.
إن الجيش الروسي بقي شهوراً يصد الجيش الأوكراني، الذي كان في مرات كثيرة يجبر الروس على التقهقر والتراجع، ولم يجرب الجيش الروسي الصمود إلا عندما استحضر شيئين، أولهما الطائرات المسيَّرة الإيرانية، وثانيهما عناصر «فاغنر»، التي استدعاها مرة من سوريا، ومرة ثانية من دول أفريقية، حيث كانت تقاتل هناك معركته فيها.
والطريقة التي تحارب بها عناصر المجموعة تلحظها في حديث رئيسها، عن إنه يسعى إلى السيطرة على كل شارع وكل بيت.
فليست هكذا تقاتل الجيوش النظامية، ولا هكذا كان يقاتل الجيش الروسي منذ بدء الحرب، ولكنه كان يتجنب دخول المدن، وكان يتحاشى الذهاب بجنوده إلى مناطق التجمعات السكانية، وكان يكتفي بالسيطرة على الطرق المؤدية إلى المدن، وعلى سماوات هذه المدن.
وما عدا ذلك يبقى فخاً لأي جيش نظامي يعرف المبادئ المتعارف عليها في خوض الحروب.
عجز الجيش الروسي عن التقدم في بداية سنة الحرب، له ما يبرره وليس لغزاً من بين الألغاز، وصعوبات الجيش الأوكراني في نهاية السنة نفسها، ليست لغزاً في سياقها هي الأخرى، وإذا شئت فراجع الأمر من أول هذه السطور.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليست لغزاً ولا يحزنون ليست لغزاً ولا يحزنون



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon