بقلم سليمان جودة
من بين الأشياء اللافتة التى قالها الرئيس فى مؤتمر شباب شرم أننا بلد ليس غنياً، وأن على الذين يطالبون بشىء من التحسن فى حياة كل مصرى أن يلاحظوا ذلك قبل أن يطالبوا!
وربما لم ينتبه الرئيس إلى أن معنى كلامه، أن الأمل فى أن تكون الحياة أفضل بالنسبة للغالبية من المواطنين، ضعيف.. وإلا.. فمن أين سوف يتحسن مستوى معيشتهم، إذا كنا فى الأصل بلداً ليس غنياً بموارده هكذا؟!.. إذ المفهوم أن الموارد لن تهبط علينا من السماء صُبح الغد!
وقد كنت آمل أن يكون رد الرئيس على الشاب الذى وقف يطلب شيئاً من التحسن فى مستوى دخله، رداً مختلفاً تماماً عما سمعناه.. كنت أحب أن أسمع الرئيس يقول إنه اكتشف أن بلدنا ليس فقيراً، وإنما يجرى إفقاره صباح كل يوم، بإهدار موارده تارة، ونهبها تارة أخرى، وإنه كرأس للدولة لن يسمح بذلك مطلقاً، وسوف يعمل كل ما فى مقدوره لوقف الإهدار، ووقف النهب فى آن واحد!
ولأن الأمر كذلك، فسوف أروى قصة بسيطة تؤكد للرئيس صدق ما أقول، وتزيده وضوحاً!
ففى ندوة انعقدت مؤخراً، كان الوزير أشرف العربى يتكلم، وجاءت سيرة موارد البلد، وتساءل حاضرون عما إذا كانت مواردنا محدودة، أم أنها بالأساس مهدرة ومسروقة؟!
وقف الأستاذ محمد نصير، القيادى السابق فى حزب المصريين الأحرار، وعرض على الوزير «العربى»، أن يدفع للدولة عشرة أضعاف الدخل الحالى للمتحف المصرى فى التحرير، نقداً، ومسبقاً، إذا ما قبلت الحكومة أن تعطيه إياه، ليديره، ويدير موارده!
ولم يعرف الوزير بماذا يجيب!
وكان الأستاذ عمر مهنا حاضراً، فقال إنه مستعد لرفع المبلغ إلى 15 ضعفاً، وإنه سوف يدفعه نقداً أيضاً، ومسبقاً، إذا ما كان مثل هذا المتحف تحت يده، يديره ويدير موارده!
يعنى إذا كان دخل المتحف مليوناً فى اليوم، فالحكومة أمام عرض مباشر بعشرة ملايين، عن اليوم نفسه، وأمام عرض آخر بـ15 مليوناً.. كاش.. ونقداً.. ومسبقاً!
القصة على بساطتها تقول إن كلام الرئيس، وكلام مسؤولين كثيرين من ورائه، عن أننا بلد فقير، وبلا موارد، كلام غير صحيح بالمرة.. فالبلد الذى يجرى فيه نهر مثل النيل، ثم يشكو مسؤولوه من أنه ليس غنياً، بلد سيئ الحظ حقاً، والبلد الذى تمتد شواطئه ألف كيلومتر شمالاً، ومثلها شرقاً، بالإضافة إلى النهر والبحيرات، ثم يستورد الأسماك من فيتنام، بلد فى حاجة إلى مسؤولين آخرين يعرفون مصادر غناه، ثم يوظفونها لصالح الناس.
البلد ليس فقيراً بأى معيار يا سيادة الرئيس.. ولكن يجرى إفقاره، وإهدار موارده علناً، وفى كل صباح!.. ولابد أن الأمل لايزال معقوداً عليك لوقف هذا الإهدار فى اتجاه، ثم وضع حد للفساد، والنهب، والسرقة، فى اتجاه آخر!.. وساعتها فقط لن تسمع الشكوى من ضيق ذات اليد، فى أى ركن من أركان البلد!