بقلم:سليمان جودة
منذ البداية.. كنت أتابع الملاحقة المثيرة التي خضع لها في اليابان رجل صناعة السيارات اللبنانى كارلوس غصن.. والآن أراها قصة هذا العام بامتياز، وأتوقف أمام تطورها المفاجئ الذي جعلها وكأنها فيلم من أفلام الدراما العالية، أو كأنها واحد من أفلام الخيال! فالرجل كان امبراطوراً على رأس تحالف يضم ثلاث شركات، هي الأكبر تقريباً في مجالها في العالم، وكانت الشركات هي: رينو الفرنسية، ونيسان اليابانية، وكذلك ميتسوبيشى.. وكان هو الذي انتشلها من منحدر خسائر كانت تندفع إليه، فحقق لها أرباحاً زادت عاماً بعد عام!
وفى لحظة مفاجئة جرى القبض عليه، وكانت التهمة هي التهرب الضريبى، وارتكاب مخالفات مالية.. ثم جرى احتجازه بطريقة خشنة، وقاسية، وعنيفة، رغم أنه كان ولايزال متهماً، ولم تتم إدانته بشىء!.. ومن بعد الاحتجاز ذهب إلى إقامة جبرية كان فيها رهن المراقبة على مدار اليوم! وكان في إقامته الجبرية في العاصمة طوكيو ينتظر المحاكمة.. ولكنه ظهر فجأة منتصف هذا الأسبوع في بيروت، وتبين أنه غادر متخفياً من اليابان إلى تركيا، ومنها على متن طائرة خاصة إلى لبنان!
وقد كنت طوال شهور الاحتجاز والإقامة الجبرية، أشعر بأن وراء القصة كلها من الأسرار الكبرى ما لا نعرفه، وأن حكاية التهرب الضريبى والمخالفات المالية، ليست سوى قناع يخفى الحقيقة وراء ستار.. ومن حُسن الحظ أنه سيتكلم مع الإعلام خلال أسبوع.. وعندها سنعرف ماذا بالضبط وراء قنابل الدخان التي صاحبت موضوعه من بدايته إلى لحظة الفرار!
وحين نجح في الهروب قال هذه العبارة: لم أعد رهينة في قبضة نظام قضائى يابانى متحيز، حيث يتم افتراض الذنب!.. ثم قال: لم أهرب من العدالة، لقد حررت نفسى من الظلم والاضطهاد السياسى !
ولابد أن آخر كلمة في عبارته الثانية تشرح الكثير.. فالسياسة بدت حاضرة في حكايته بكل تفاصيلها، ولم يكن هو وقتها قادراً على قول شىء، ولا الجانب اليابانى كان يتحدث عن شىء.. ودليلى على هذا، أن وزارة الخارجية اللبنانية وجهت خطاباً رسمياً بشأنه إلى الحكومة اليابانية، فالتزمت طوكيو الصمت تماماً، وتجاهلت خطاب الخارجية اللبنانية، واعتبرته كأنه لم يكن! في القصة ملامح غامضة للغاية، فلا أحد يعرف كيف غادر بيته اليابانى، ولا أحد يعرف ما إذا كان بالفعل قد غادره داخل صندوق آلة موسيقية، ولا أحد يعرف كيف دخل لبنان بجواز سفر فرنسى، مع إن جوازات سفره الثلاثة.. اللبنانية والفرنسية والبرازيلية.. مسحوبة منه وفى حوزة المحامى في اليابان؟! تخيلت دائماً أن آخرين وراءه كانوا هُم المقصودين باحتجازه، وإقامته الجبرية، ومحاكمته التي لم تتم، وبهدلته في الحالات الثلاث.. وأنه كان مجرد واجهة.. وسوف نرى!.