بقلم : سليمان جودة
لا تخلو أجواء كورونا الصعبة من أنباء متفرقة تتناثر على خجل فى أرض الوباء، وتغريك بمتابعتها وصولاً إلى المعانى الكامنة فيها! من بين هذه الأنباء ما أذاعته وكالات الأخبار عن درجة من التوتر نشأت فجأة فى العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين فرنسا، التى قال وزير خارجيتها، جان إيف لو دريان، إن بلاده ليست فى حاجة إلى إذن من واشنطن ولا من غيرها، إذا ما أرادت التواصل مع إيران حول ملفها النووى..
وهو ملف كان كما نعرف ملء الدنيا قبل كورونا ثم علا صوت كورونا على كل شىء! وليست هذه هى المرة الأولى التى تشتبك فيها العاصمة الفرنسية مع العاصمة الأمريكية، حول هذا الملف بالذات، وحول ملفات أخرى فى العالم بوجه عام! ولكن هذه المرة تختلف فى أن وزير الخارجية الفرنسى صرح بما صرح به، ولسان حاله يكاد ينصح دونالد ترامب بأن يعطى الأولوية فى تغريداته لمحاصرة الوباء على أرض بلاده، بدلاً من إنفاق وقته فيما لن يفيده فى شىء فى علاقته بفرنسا!
وكان ترامب قد غرد بما معناه أن أمريكا تتحدث عن نفسها فى موضوع إيران، ولا أحد آخر من حقه أن يتكلم باسمها، ثم خص فرنسا بالذكر فى التغريدة.. ولولا أنه خصها بذلك ما كانت عاصمة النور قد أعارته اهتماماً، لأنها ليست طرفاً وحيداً معه فى الموضوع النووى الإيرانى، ولكن معهما بريطانيا، وروسيا، والصين، وألمانيا.. وجميعها تشكل ما يُعرف بمجموعة خمسة زائد واحد..
أما الخمسة فهى الدول التى تتمتع بعضوية دائمة فى مجلس الأمن.. وأما الدولة الزائدة فهى ألمانيا التى لا تتمتع بهذه العضوية! ولأن الرئيس الأمريكى كان قد انسحب من الاتفاق النووى الذى وقعته الدول الست مع طهران، أيام الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، فهو يريد من الدول الخمس أن تتصرف فيما يخص الاتفاق على أساس أنها تلاميذ فى مدرسة هو الناظر فيها! وكلها ترفض ذلك ولا تقبله باستثناء بريطانيا، التى تمشى وراء أمريكا فى أى اتجاه، إنْ شمالاً فشمال، وإنْ يميناً فيمين!..
وكلها أيضاً تراعى مقتضيات الدبلوماسية فى رفضها، فيما عدا حكومة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.. فهو لا يترك فرصة سانحة إلا ويرسل من خلالها إلى ترامب من «الرسائل» ما يلفت انتباهه إلى أن وراء فرنسا من الثقافة، ومن الحضارة، ومن الفن، ومن الأدب، ما ليس متاحاً فى التاريخ الأمريكى الذى لا يزيد كله على ٢٠٠ سنة.. إلا بقليل!.