بقلم - سليمان جودة
لا شك فى جدوى البنية التحتية التى نفذتها الدولة على مدى السنوات الماضية، ولا شك كذلك فى قيمتها الكبيرة على المدى الطويل.. ولو فكرت الدولة نفسها فى تنفيذ هذه البنية ذاتها اليوم، فالتكلفة ستكون مضاعفة، وربما مضروبة فى ثلاثة.. وما أقصده بالبنية التحتية هو الطرق، والجسور، ومشروعات الطاقة، والمدن الجديدة، وغيرها وغيرها، مما بدا أنه كان أولوية لدى صانع القرار طوال سنوات مضت.
وسوف تنصف الدولة نفسها، وتنصف معها مواطنيها، لو أنها جعلت عام ٢٠٢٣ انتقالًا من البنية التحتية إلى البنية الفوقية.. ولكن مثل هذا الانتقال لا بد له من منطق مختلف فى التوجه لأن انتقالًا من هذا النوع لن يكون ممكنًا إلا إذا دعت فيه الدولة قطاعها الخاص لينهض هو بالبنية الفوقية هذه المرة.
أما السبب فهو أن القطاع الخاص ليس من طبيعة عمله أن يمد طريقًا فى البنية التحتية، فضلًا عن أن ينشئ هذا العدد الهائل من الطرق، ولا أن ينشئ جسرًا، ولا بالطبع كان يستطيع أن يبنى محطة للطاقة.. وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر مفردات البنية التحتية.
ولكنه قادر على أن ينهض بالبنية الفوقية، التى لا تقوم إلا على أساس بنية تحتية قوية من نوع ما انشغلت به الدولة طول الفترة الماضية.
أقول هذا وأمامى حديث الرئيس فى افتتاح مجمع الأسمدة الأزوتية فى العين السخنة، عن استعداد الدولة لإضافة ثلاثة ملايين ونصف المليون فدان إلى الرقعة الزراعية.. فالذين تابعوا هذا الكلام لا بد أنهم تساءلوا عن موقع القطاع الخاص على خريطة هذه الملايين من الأفدنة، ولا بد أنهم تساءلوا عن مدى قدرة الدولة وحدها على الوفاء بهذا الأمر، وعما إذا كان مناسبًا أن تقوم به وحدها.
إن لدينا عشرة ملايين فدان نزرعها على امتداد البلد، وهذه الملايين من صنع القطاع الخاص فى الأساس من أيام أسرة محمد على باشا، ولم تكن الدولة هى التى جهزتها للزراعة، ولكن الدولة هى التى مدت الترع والجسور إليها.. والمعنى أن البنية التحتية شغل الدولة، وهى تظلم نفسها وتظلم شعبها معها، إذا تجاوزتها إلى البنية الفوقية لتتصدى وحدها للملايين الجديدة من الأفدنة، وإلا، فسوف تكرر ونكرر معها تجربة مديرية التحرير.. فاسألوا عن تجربة المديرية وعن تفاصيلها لأننا لا نحتمل تكرارها مرةً ثانية.
أين نصيب القطاع الخاص فى الثلاثة ملايين ونصف المليون فدان، وأين نصيبه فى الدلتا الجديدة.. وأين.. وأين.. أين موقعه فى كل مجال هو ميدان طبيعى له لا للدولة بحكم طبائع الأشياء؟.. أعطوا العيش لخبازه، وسوف لا يأكل نصفه هذه المرة.