بقلم : سليمان جودة
مات وليد المعلم، وزير الخارجية السورى العتيد، الذى كان ثالث ثلاثة جلسوا على قمة الخارجية السورية على مدى نصف قرن، بعد عبدالحليم خدام وفاروق الشرع.. مات وفى نفسه شىء من الرغبة فى رؤية الوجود العربى حاضرًا فى سوريا، ولو عاش إلى أن يراه وجودًا مكتملًا فى دمشق لكان قد غادر الدنيا راضيًا عن مسيرته، مطمئنًا على مستقبل بلاده!
وكنت قد رأيته فى مكتبه فى العاصمة السورية قبل خمس سنوات، ولما سألته عن السبب الذى يجعل إيران صاحبة نفوذ سياسى وغير سياسى إلى هذا الحد فى سوريا، رد فقال إن العرب لو حضروا ما كان للنفوذ الإيرانى ولا غير الإيرانى مكان!
ولا أعرف ما إذا كان رده تعبيرًا عن أمل شخصى كان يراوده، أم أن ما قاله كان أملًا لدى صانع السياسة السورية تمنى لو حققه!.. ولكن الثابت أن الانتماء العربى لدى السوريين راسخ ومستقر، كما أنه انتماء يظهر واضحًا كالشمس فى الكثير من وجوه الحياة فى كل مكان سورى!
ولابد أن «المعلم» كان أسعد الناس فى الرابع من أكتوبر من هذا العام، عندما استقبل تركى محمود البوسعيدى، سفيرًا لسلطنة عمان فى دمشق.. كان «البوسعيدى» أول سفير لدولة خليجية فى سوريا منذ أن دخلت فى 2011 متاهة اسمها الربيع العربى!
صحيح أن للإمارات والبحرين سفارتين فى العاصمة السورية، ولكن التمثيل الدبلوماسى فيهما لايزال عند مستوى القائم بالأعمال، الذى يقل بطبيعته عن مستوى السفير!.. وكان الأمل ولايزال أن يكون ذهاب السفير العمانى خطوة أولى تتلوها خطوات عربية مماثلة.. فمثل هذه الخطوات هى وحدها الكفيلة بإنقاذ سوريا من الذئاب التركية والروسية والإيرانية، التى لا تتوقف عن نهش جسدها فى كل يوم!
ورغم الضربات التى تلقتها دمشق على امتداد عشر سنوات، فإنها لاتزال قادرة على أن تعيش، وعلى أن تتكلم بقوة فى بعض الأوقات!
قبل شهور، كان مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، قد قال كلامًا سلبيًا عن سوريا، وكان «المعلم» يحضر مؤتمرًا دوليًا، فجاءته قناة فضائية تسأله عما قاله الوزير الأمريكى.. وقتها كان الوزير الراحل يقطع طريقه خارجًا من المؤتمر، فقال وهو يواصل خطواته دون أن يتوقف: مين «بومبيو»؟!.. ولما حاول صاحب السؤال لفت انتباهه إلى أن «بومبيو» هو فلان، رد سريعًا: لا أعرفه!
سوريا تنتظر أكثر من «بوسعيدى» فى دمشق.