توقيت القاهرة المحلي 21:14:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رصيد القرون الثلاثة في أرض الكويت!

  مصر اليوم -

رصيد القرون الثلاثة في أرض الكويت

بقلم: سليمان جودة

رغم أن الدستور في الكويت يمنح الأمير الجديد مهلة تصل إلى سنة كاملة يختار خلالها ولي عهده، فإن الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، لم يشأ أن ينتظر عاماً أو حتى بعض العام، وقرر خلال أيام معدودة على أصابع اليد الواحدة من أداء القَسَم وتسلم مهام المسؤولية، أن يحسم الأمر باختيار الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح ولياً للعهد!
كان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قد رحل في التاسع والعشرين من سبتمبر (أيلول)، فنادت البلاد بالشيخ نواف أميراً عليها في مساء اليوم نفسه، وكان ذلك من علامات القوة لدى الدولة الكويتية. صحيح أن الدستور أيضاً ينظم هذه العملية، إلا أن هناك فارقاً على الدوام بين نص من حروف جامدة في الدستور ينظم، وبين واقع على الأرض يمتلئ بالحياة ويجري حسب مقتضيات متنوعة وكثيرة!
وقد جرى الانتقال من الأمير الراحل - يرحمه الله - إلى ولي عهده، على درجة من السلاسة بدت محسوبة في ميزان السلطة في البلد، وفي ميزان المجتمع السياسي في الإجمال!
ثم كان حسم مسألة ولاية العهد في أيام قليلة، من دون عوائق في الطريق ولا عقبات، عاملاً آخر من عوامل النضج الظاهر على مستوى الأسرة الحاكمة مرة، وعلى مستوى الحياه السياسية الحية في الكويت مرة ثانية، فالمستويان مررا الانتقال في حالتيه في يسر وسهولة!
والذين تابعوا تفاعلات السياسة في الكويت، طوال الأسابيع التي قضاها الأمير الراحل في الولايات المتحدة للعلاج، يعرفون أنها تفاعلات بدت وكأن الهدف منها هو انتهاز فرصة غياب الرجل، لإحداث نوع من الإرباك والارتباك في المشهد العام بمعنى من المعاني!
وقد تجسدت تلك التفاعلات أكثر ما تجسدت في مجرى العلاقة بين مجلس الأمة كبرلمان من ناحية، وبين الحكومة كسلطة تنفيذية من الناحية الأخرى!
كان الشيخ صباح الخالد، رئيس الحكومة، لا يكاد ينتهي من استجواب يتقدم به عضو أو أكثر من نواب البرلمان، في حق وزير من وزراء حكومته، حتى يجد نفسه على موعد مع الرد على استجوب جديد في حقه هو نفسه كرئيس للحكومة!
وقد وصل الأمر في مرحلة من مراحله إلى حد أن عشرة نواب من بين خمسين نائباً، هُم مجمل عدد أعضاء المجلس، تقدموا بطلب «عدم تعاون» مع رئيس الحكومة. كان الطلب مفاجئاً بقدر ما كان مربكاً للمشهد بكامله، وقد راحت التحليلات السياسية يومها تخمن تداعيات مثل هذه الخطوة من جانب الأعضاء العشرة على العلاقة بين الحكومة وبين البرلمان!
كان الشيخ صباح يتلقى علاجه في مكانه، وكانت الأنباء القادمة من عنده تتحدث عن استقرار في حالته، وكان الكويتيون في عمومهم يترقبون عودته أملاً في قدرته على ضبط المشهد، بما اشتهر به من حكمة فطرية لازمته مدى حياته، ومن خبرة عميقة في دنيا السياسة والدبلوماسية، اكتسبها على مدى أربعة عقود كاملة قضاها وزيراً لخارجية بلاده!
وربما كان الرجل قد راح يراقب ما يجري من سرير المرض في أميركا، ولسان حاله يدعو الذين يشاغبون في البرلمان إلى الترفق قليلاً بالبلد؛ لأن الأحوال في المنطقة وفي الإقليم في عمومه لا تحتمل مثل هذا الشد غير الطبيعي والجذب غير العادي، بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد!
كان الاستجواب هو الأداة الأقوى دائماً بين أدوات المساءلة البرلمانية، ولكن المشكلة أن مجلس الأمة كان يسرف في استخدام هذه الأداة بالذات، وكان رئيس المجلس لا يكاد يستدعي وزيراً إلى المساءلة أمام البرلمان، حتى يكتشف أنه مدعو إلى استدعاء وزير جديد. وكانت الاستجوابات في السابق تنتهي في العادة إما بحل البرلمان، وإما باستقالة الوزير الذي جرى استدعاؤه واستجوابه. وكانت استقالة الشيخ سلمان الحمود الصباح من أبرز الحالات، رغم أنه كان من أنجح وزراء الإعلام والشباب في أيامه!
وكان المعنى في حالات عديدة تابعناها في وقتها، أن الاستجواب تحول على أيدي بعض النواب في البرلمان، من أداة نيابية فعالة في المساءلة البرلمانية الصائبة، إذا جرى توظيفها بجد واستخدامها على النحو الصحيح، إلى هدف في حد ذاته!
وفي مرحلة من مراحل التصعيد البرلماني تجاه الحكومة، لم يجد الشيخ نواف - وكان لا يزال ولياً للعهد - مفراً من الخروج بنفسه إلى الشعب بكلمة مذاعة، دعا الجميع فيها إلى الانتباه للمخاطر في الإقليم من حولهم، ثم أضاف أن على كل مواطن أن يطمئن إذا ما تعلق الأمر بملف مكافحة الفساد؛ لأن الكل سواء أمام القانون بمن فيهم أفراد الأسرة الحاكمة! وكان ذلك بدوره من علامات القدرة لدى الكويت على اجتياز لحظات بدت صعبة، في الفترة التي تلت سفر الشيخ صباح للعلاج!
وإذا كانت الخلفية العملية التي يستند إليها الشيخ نواف تبدو خلفية أمنية وعسكرية في معظمها، بحكم فترات وجوده على رأس وزارة الداخلية مرة، والدفاع مرة أخرى، فالخلفية السياسية قد جاءته بالتأكيد من وجوده إلى جوار الشيخ صباح الذي حاز تجربة في الدبلوماسية والسياسة نادرة!
وفي وقت الأمير الراحل كان الحديث يدور حول مثلث الحكم في الكويت، وكان المعنى أن السلطة التي كان الشيخ صباح يمارس مقتضياتها كانت من ثلاثة أضلاع: أولها الأمير، وثانيها ولي العهد، وثالثها الشيخ مشعل نائباً وقتها لرئيس الحرس الوطني!
كان الشيخ نواف طوال سنواته في ولاية العهد يراقب خطوات الأمير عن قرب، وكان يرى عملياً كيف يمكن لأمور الحكم أن تدار في أوقات المحن والأزمات، ومن موقعه ولياً للعهد لم يكن يتكلم كثيراً، ولكنه في المحصلة الأخيرة حصل على كثير من المران العملي الذي يجمع عنده الأمن بالسياسة، ويوظفهما معاً لصالح استقرار بلد في منطقة تضطرب بالطارئ في كل صباح!
والقراءة الأولى لوقائع اللقاء الذي جرى هذا الأسبوع بين الأمير وولي عهده، وبين نايف الحجرف، أمين عام مجلس التعاون الخليجي، تقول إن للكويت في سياستها الخارجية مبادئ مستقرة، وإن هذه المبادئ لا تتبدل مع عوامل التغيير الطبيعي التي تطرأ على مؤسسة الحكم!
والدرس أن الكويت التي اجتازت تجربة الغزو القاسية بعزم وتصميم، قادرة - لا بد - على اجتياز غيرها من التجارب التي قد تصادفها على طول الطريق. فما أهون أي امتحان إذا ما قورن بامتحان الغزو! وما أقدر ثلاثة قرون تقريباً من تجارب الحكم على وضع بوصلة وازنة أمام أهل السلطة في البلد!
لقد بدأت مسيرة القرون الثلاثة بالشيخ صباح الأول عام 1756، ومن بعدها صار الرصيد يتراكم وينتقل من جيل إلى جيل!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رصيد القرون الثلاثة في أرض الكويت رصيد القرون الثلاثة في أرض الكويت



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 12:13 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

معوقات تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon