بقلم : سليمان جودة
الخطاب الذى تلقاه مجلس الأمن، ٣ يونيو الجارى، من أسماء عبدالله، وزيرة خارجية السودان، هو تقريباً أول تطور إيجابى فى قضية سد النهضة منذ فترة، وهو يشير إلى أن الحكومة فى السودان تريد استدراك ما فات، وتريد أن تنبه الجانب الإثيوبى الذى ينفذ السد على أرضه إلى حقيقة يجب ألا تفوت عليه!
هذه الحقيقة هى أن نهر النيل نهر دولى، وليس نهراً محلياً إثيوبياً، وأنه امتداد للنيل الأزرق الذى يتدفق من الأراضى الإثيوبية، ويمد النهر الخالد بالنسبة الكبرى من المياه التى يجرى بها فى السودان كبلد ممر، وفى مصر كبلد مصب!
الخطاب السودانى كان واضحاً بما يكفى، وكان يعيد تذكير الحكومة فى أديس أبابا بشيئين يجب ألا تنساهما فى غمرة اندفاعها نحو البدء فى ملء السد، متصورة ألا يكون للقاهرة والخرطوم رأى يؤخذ به فى موعد بدء الملء وفى مداه الزمنى!
الشىء الأول أنه لا بديل أمام إثيوبيا سوى العودة إلى مفاوضات الدول الثلاث، التى كانت قد بدأت فى واشنطن، نوفمبر الماضى، برعاية أمريكية وحضور من جانب البنك الدولى!.. كانت المفاوضات قد بدأت هناك، ثم دامت جولات وجلسات، ولكن الطرف الإثيوبى فاجأ الجميع فى الجلسة الأخيرة فلم يحضر دون مقدمات!.. وقد كان موقفاً مفاجئاً بقدر ما كان ممتلئاً بسوء النية، وقد جاء الخطاب السودانى ليلفت انتباه الإثيوبيين إلى أن ما فعلوه كان خطأ فى خطأ!
والشىء الثانى الذى نبه إليه الخطاب أن أى إجراء أحادى تتخذه إثيوبيا فى موضوع السد سوف تكون له عواقب سلبية على الأمن والسلم الإقليمى والدولى معاً.. وكان المعنى المهم أن قضية مياه السد تخص الدول الثلاث.. هذا صحيح.. ولكن المعنى الأهم من حيث العواقب السلبية إذا ما تصرف فيها الطرف الإثيوبى منفرداً، إنما تمتد إلى أمن المنطقة كلها والإقليم كله، وكذلك تمس قضية السلم العالمى، وأن على العالم فى مجلس الأمن الذى تلقى الخطاب أن يتصرف على هذا الأساس!.. وقد كان هذا الشىء الثانى الذى ينبه إليه الخطاب السودانى محور خطاب ألقاه الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر الماضى!
طبعاً كانت هناك أشياء بين السودان وإثيوبيا سابقة على الخطاب، ربما تكون هى التى دعت إليه، منها مثلاً أن اعتداءً عسكرياً إثيوبياً جرى على الحدود السودانية، قبل أسبوع، ومنها أن أديس أبابا دعت الخرطوم إلى توقيع اتفاق جزئى حول السد، من وراء ظهر القاهرة، فرفضت العاصمة السودانية هذه الدعوة دون نقاش!
ويبقى الخطاب السودانى اختراقاً مصرياً ناجحاً للموقف السودانى الذى بدا محيراً لفترة، ثم يبقى شهادة فى حق المؤسسات المصرية السيادية التى تتولى الموضوع.