بقلم سليمان جودة
السؤال هو: هل كان اتجاه الاتحاد العام للغرف التجارية إلى التوقف عن شراء الدولار لأسبوعين، وترشيد الاستيراد لثلاثة أشهر - مبادرة خالصة من الاتحاد، أم أنه كان باتفاق مع الحكومة؟!
وسؤال آخر: هل تستمر المبادرة، بعد قرار البنك المركزى، صباح أمس، بتحرير سعر الجنيه أمام الدولار، أم أنها ستتوقف؟! فى كل الأحوال، كان قرار «المركزى» جريئاً، رغم أنه أفقد الجنيه ما يقرب من نصف قيمته أمام الدولار بضربة واحدة!.. كان جريئاً لأنه جاء بمثابة لطمة قاسية على وجوه الذين تعاملوا مع الدولار، طوال أيام مضت على أنه سلعة، لا عملة، ولأنه أنهى لحظة اتخاذه مهزلة السعرين التى سيطرت على الأسواق لفترة ليست قصيرة!
إن وجود سعرين لأى سلعة، وليس للدولار فقط كعملة، هو بداية الفساد، ففى استمرار السعرين استمرار للفساد، وبالتالى فالقضاء عليهما، بقرار توحيد سعر الجنيه، هو قضاء على فساد كان الملايين من المصريين يرونه أمام أعينهم ويشعرون إزاءه بقلة الحيلة!
وإذا كان قرار «المركزى» قد جاء فى اليوم التالى لقرارات مماثلة، صدرت عن الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار، الذى عقده الرئيس، فالخطوتان معاً قد أشاعتا طقساً من التفاؤل فى البلد لدى أصحاب الأعمال، وهو طقس سوف ترسخه فوق الأرض سياسات الحكومة وممارسات أجهزتها، فى الأمد الزمنى المنظور أو لا ترسخه!
وتبقى بديهيتان لا بديل عن أن تلتفت السلطة إليهما، بكل قوة، وبكل وعى، غداً، وفيما بعد الغد من أيام!
أولاهما أن «المركزى» لا ينتج الدولار، وإنما ينظم القواعد المتعلقة بوضعه فى الأسواق، فالذى ينتج الدولار أو لا ينتجه هو السياسة المالية للحكومة، وما إذا كانت سياسة تدعم كل من ينتج سلعة فى الدولة، أم تدعم الذين يستوردون أكثر!
الدعم فى صورته الأولى يفرز منتجات فى كل أحواله، هى منتجات إما أن نستهلكها محلياً، فنوفر الدولار الذى نستوردها به، أو نصدرها فنحصل من ورائها على الدولار.. وأما الدعم فى صورته الثانية فهو مستهلك للدولار، طوال الوقت، وباحث عنه، ومتاجر فيه، ومضارب عليه!
والبديهية الأخرى أن تحرير سعر الجنيه سوف ينعكس بالضرورة على أسعار سلع كثيرة لا غنى عنها، لآحاد الناس، الذين لا حول لهم ولا قوة فى بلدهم بعد الله تعالى، إلا حكومتهم، وما لم تحاصر الحكومة أسعار هذه السلع بجد، محلياً ابتداءً من اليوم، فسوف لا يعرف المواطنون، فى غالبيتهم، كيف يعيشون، ولا كيف يواجهون ظروفاً معيشية لم يسبق أن واجهوها من قبل!
لا تتركوا المواطن وحده، عارى الصدر، ظهره للحائط، فى مواجهة عواقب القرار، وأعينوا المصريين وهم يتجرعون هذا الدواء الُمر!