بقلم سليمان جودة
سألت كاتبنا الرائع أنيس منصور: لماذا تتناول الموضوع نفسه مرة، ومرتين، وثلاثاً.. وعشراً؟
قال الكاتب البديع، يرحمه الله: لأكون أكثر وضوحاً، ولأن وضوح ما أكتبه فى رأسى ليس معناه أنه واضح بالدرجة ذاتها أمام غيرى!
وتعلمت منذ تلك اللحظة، أن أصوغ ما أريد أن أقوله فى أشد العبارات وضوحاً، وأن أتجنب تماماً الكلمات التى يمكن أن تصل إلى القارئ بمعنيين!.. أو أن أظل أحاول ذلك جاداً على الأقل!
وفى صباح أمس، أدهشنى ألا أكون واضحاً فى بعض ما كتبت أمام زميلى نيوتن، مرة، ثم أمام الدكتور عبدالمنعم عمارة، مرة أخرى!
الكاتب نيوتن بطبيعته مثير للجدل فيما يكتبه، وفى كل صباح أقرأ له، أتذكر تلقائياً تلك العبارة التى نقشوها على تمثال لإسحاق نيوتن فى إحدى جامعات إنجلترا.. قالوا: «لقد تفوق صاحب هذا التمثال على النوع البشرى كله، بخياله!».
ولايزال الخيال ينقصنا فى التعامل مع كثير من شؤوننا العامة، وإذا كنا فى حاجة إلى خيال محدد اليوم، فنحن أحوج ما نكون إلى خيال رجل اسمه أنور السادات!
ولا يكاد نيوتن يغادر الدعوة إلى الخيال حتى يعود إليها من جديد، ولابد أنه على حق تماماً، لأنه يرى أن الخيال سلعة قد شحت فى الأسواق! وإذا كان قد قال عنى، بالأمس، إنى أصيب الذين يتابعون ما أكتب بالحيرة، أحياناً، لأن تناقضاً يبدو بين فكرة أكتبها هنا، وأخرى أكتبها أيضاً هناك، فأظن أن هذا غير صحيح فى جانب منه، أو على الأقل فيما يتصل بما أشار إليه هو.. لقد أشار إلى أنى قلت، أمس الأول، إن الدولة لابد أن تتحوط إزاء دور جهاز الكسب هذه الأيام، خصوصاً فى موضوع التصالح مع رجال الأعمال، حتى لا يقفز دوره فوق دور القضاء الطبيعى، وحتى لا نعيد إحياء لجنة تصفية الإقطاع، دون أن ندرى.. وهذا صحيح، وقد وافقنى هو عليه، غير أنه رآه متناقضاً مع ما كتبته قبلها، عن أن مجلس الوزراء كان عليه أن يتمهل، فلا يوجه الشكر إلى الدكتور خالد حنفى، وزير التموين السابق، لأنه «مدان» فى موضوع القمح!
ولو عاد «نيوتن» إلى ما قلته، فسوف يكتشف أنى لم أصف «حنفى» بأنه مدان على الإطلاق، فكل ما قلته، إنه فى حكم المتهم.. الذى قد يدان، وقد يصبح بريئاً، ولأنه كذلك، ولأن موضوع القمح برمته لايزال أمام النائب العام، فقد كنت أريد من مجلس الوزراء ألا يكون طرفاً فى الموضوع، وألا يخرج عنه ما يمكن أن يؤثر على جهات التحقيق!
أما الدكتور عمارة، فلانزال نذكر كيف أن السادات العظيم أراده فتحاً بين المحافظين، يوم وضعه على رأس الإسماعيلية فى عصرها الذهبى، ولا أعرف لماذا يرتبط وجوده على رأسها فى عقلى بوجود كاتبنا الكبير إبراهيم سعدة على رأس أخبار اليوم؟!.. لا أعرف.. ولكنى لا أذكرهما إلا معاً!
الدكتور عمارة يتساءل، فى عدد أمس من «المصرى اليوم»، عما إذا كنت حين أشرت إلى كيم الحفيد، رئيس كوريا الشمالية قبل أيام، أريد حاكماً لنا قوياً عنيفاً مثله لا يرحم!.. وعما إذا كنت أريده، على غرار ما أراده ميكيافيللى فى زمانه: مهاباً، لا محبوباً!
وأقول بملء الفم: نعم.. فالدولة عندنا، فى كل ركن منها، تبدو «سايبة» بلا صاحب، ولا إحساس لدى المواطن فى الشارع بأن فى البلد حكومة.. وفى الحالتين، يظل نموذج كيم الحفيد حلاً لا بديل عنه!