بقلم : سليمان جودة
ماذا يقصد رئيس تونس عندما يقول إن بلاده تواجه تهديدًا فى الداخل أكثر مما تواجه خطرًا من الخارج، وإن هناك مَنْ يسعى إلى تفجير الدولة من داخلها؟!.. الرئيس قيس سعيد قال هذا الكلام فى لقاء له صباح السبت مع قيادات الجيش والشرطة، دون أن يسمى الطرف الخفى الذى يهدد فى الداخل، أو الطرف الذى يعمل على تفجير الأوضاع على مستوى الجبهة الداخلية!.
يصعب على المتابع للأحوال التونسية من بعيد أن تصل الأمور هناك إلى هذا الحد، وأن يتحدث عنها الرئيس علنًا، وهو الذى قضى فى منصبه أقل من سنة، وقد كانت الآمال أمامه عريضة وأمام مواطنيه حين جرى انتخابه فى خريف السنة الماضية!.
يصعب ذلك على المتابع من بعيد، لأن تونس كانت الدولة العربية الأولى التى نجت من عواصف ما يسمى الربيع العربى، ثم كانت المثال الذى نستشهد به فى القدرة على العبور من وسط تلك الأعاصير بأقل الخسائر الممكنة.. فإذا بها تواجه خطر العودة إلى المربع الأول!.
وإذا كان هناك رجل سوف يكون مسؤولًا عن جرّ تونس الخضراء إلى ما لا يجب جرّها إليه، فهذا الرجل هو الشيخ راشد الغنوشى، رئيس حركة النهضة الإسلامية، التى فازت بالأكثرية من مقاعد البرلمان فى آخر انتخابات برلمانية جرت بالتوازى مع انتخابات الرئاسة!.
فازت الحركة بما يقرب من ربع عدد المقاعد، وهذه نسبة لا تعطيها الأغلبية طبعًا، ولا تمنحها الحق بالتالى فى تقديم مبدأ المغالبة على مبدأ المشاركة عند التعامل مع باقى القوى السياسية التى فازت بثلاثة أرباع المقاعد فى ذات البرلمان!.
وإذا كانت هناك امرأة سوف يكتب لها تاريخ بلدها أنها وقفت فى طريق ما يحذر منه الرئيس سعيد، فهذه المرأة هى السيدة عبير موسى، رئيس الحزب الدستورى الحر.. إنها تنبه الشيخ راشد فى كل جلسة من جلسات البرلمان إلى أن مصالح الحركة الضيقة لا يتعين أن تتقدم على مصالح الوطن الأكبر!.. ولكن الشيخ لا يبالى.. ويبدو مندفعًا فى طريق تمكين جماعته من مفاصل البرلمان!.
ولأن صلاحيات رئيس البرلمان وفق الدستور الجديد الذى جرت صياغته فى زمن ما بعد «أعاصير الربيع» تفوق صلاحيات الرئيس، فالتمكين من مفاصل البرلمان يعنى التمكين من مفاصل البلد، ويعنى استدراج البلاد إلى قلب الخطر!.. ولابد أن ما يجرى هناك يعنينا فى القاهرة، ليس فقط لأن تونس دولة عربية شقيقة، ولكن لأنها على جوار مباشر مع ليبيا!.