سليمان جودة
كنت فى سوريا، أغسطس الماضى، ومررت من اللاذقية إلى طرطوس على البحر المتوسط، ثم إلى حمص شرقاً، ومن بعدها دمشق فى الجنوب من حمص، وتجولت فى العاصمة والمدن الثلاث لساعات طويلة، ورأيت بعينى كيف أن سوريا التى على الأرض مختلفة عن سوريا التى فى الإعلام.. إعلامنا وإعلام غيرنا على السواء!
وعلى كل لسان كان هناك سؤال واحد: أين مصر منا.. ولماذا تتركنا وحدنا؟!. وكان كل مواطن سورى صادفته يرى أن حضور القاهرة فى سوريا ليس هو الحضور الذى ينتظرونه كمواطنين سوريين، لا كحكومة، ولا هو الحضور الذى يليق بنا.. وكان عندهم الكثير من الحق!.
ولا يكاد أحد هنا ولا هناك، يصدق أن يوماً قد جاء علينا قرر فيه المعزول محمد مرسى قطع العلاقات بين البلدين.. فهذا هو آخر ما كان العقل يتصوّره.. ولكن يبدو أن الواقع يكون أحياناً أقوى من الخيال!.
ومن بعد مرسى عادت العلاقات، ولكن على مستوى «قائم بأعمال».. ولاتزال علاقاتنا مع سوريا عند هذا المستوى الدبلوماسى المنخفض، فلا سفير لنا فى دمشق، ولا سفير لهم فى القاهرة، وأظن أن الذين سيقرأون هذه العبارة الآن، سوف لا يكادون يصدقون أنه لا سفير هنا ولا سفير هناك.. كيف.. ولماذا.. هذا هو الحاصل بكل أسى، ثم بكل أسف!.
وعندما راجت شائعة، قبل أيام، عن عودة سفيرنا إلى سوريا، نفت الخارجية الخبر وبشكل بارز وواضح.. وكأن عودة السفير تهمة نسارع إلى نفيها عن أنفسنا!.
وعندما قال حسنى مبارك لهشام ناظر، سفير السعودية فى القاهرة عام ٢٠٠٥، إن القاهرة والرياض جادتان فى فعل كل شىء لإنقاذ سوريا، أظن أنه كان صادقاً فيما قال، وأظن أيضاً أن مصر والسعودية بذلتا الكثير من أجل أن تظل الأرض السورية أرضاً واحدة، لا أرضين، ولا ثلاثًا.. قد تكون الأداة نحو هذا الهدف مختلفة عندنا عنها فى السعودية، ولكن أعتقد أن الهدف فى النهاية واحد، وأنه لا أحد فى البلدين يرضى بأن يأتى حل فى النهاية.. أى حل.. على حساب وحدة الأراضى السورية.. لا أحد فى البلدين سوف يرضى بذلك أو يقرّه أبداًَ!.
إننى أعرف أن للقاهرة دوراً فى سوريا، وفى قضيتها، أكبر بكثير مما هو معلن، ومما هو قائم أمام أعيننا.. وفى سوريا يعرفون ذلك ويحدثونك عنه، ولكنهم يريدون الدور المعلن أكبر مما هو حادث، ونريد نحن أن نكون على يقين من أن الدور الأكبر، رسمياً ليس وقوفاً فى صف نظام سورى حاكم، بقدر ما هو وقوف مع شعب سورى فى خندق واحد.
والواضح أن أحمد أبوالغيط، أمين عام الجامعة العربية، يملك رؤية وهو يتحدث بإصرار عن توافق عربى، روسى، أمريكى للوصول إلى حل نهائى فى سوريا.. هو يعرف ماذا يجرى هناك ويتابعه بدقة، وأنا أثق فى نواياه وفى قدراته وفى تصميمه الذى تجسّد يومًا فى عبارته: كل من يفكر فى التجاوز على حدودنا مع غزة سوف نكسر رجله!.
سؤالى هو: هل الذين لم يسمحوا لمبارك عام ٢٠٠٥، سيسمحون لـ«أبوالغيط» فى ٢٠١٦؟!.. إنه سؤال يؤرقنى.