بقلم : سحر الجعارة
الدول، خصوصًا الكبرى منها، أو التي تملك إمكانات اقتصادية ضخمة بالذات، ليست جمعيات خيرية في خطواتها من حولها، وهى لا تبذل شيئًا لوجه الله، وإذا بذلت شيئًا فمن أجل هدف سياسى محدد، تعمل في سبيله وتسعى إلى تحقيقه بكل وسيلة!
من فوق هذه الأرضية أحاول فهم موقف السودان معنا في ملف سد النهضة لأنى لا أتخيل أن الموقف راجع إلى مجرد وعد من إثيوبيا بمد «الخرطوم» بالكهرباء التي سيتم توليدها من السد.. لا أتخيل هذا.. وأتصور أن الحكاية أكبر!.. ففى صباح الأحد، استقبل الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس وزراء السودان، وفدًا أمريكيًا، برئاسة مارشال «بلينجسلى»، مساعد وزير الخزانة الأمريكى!.. ولو نذكر فإن وزير الخزانة في واشنطن هو نفسه الذي يمثل بلاده في مفاوضات السد منذ انتقالها إلى هناك!
جاء الوفد يبلغ «حمدوك» بأن رفع السودان من قائمة الإرهاب مسألة وقت.. وهذه في حد ذاتها مسألة محيرة لأن الوزارة المعنية بقائمة الإرهاب أمريكيًا هي الخارجية لا الخزانة، ولأن مساعد وزارة الخارجية كان، قبل أسابيع، قد وصف موضوع رفع السودان من القائمة بأنه طويل، ومعقد، وليس سهلًا!.. هكذا قال عندما سألوه في القضية، فبدا أي شىء يومها أقرب إلى الحكومة السودانية إلا أن يكون هذا الشىء هو رفع البلاد من هذه القائمة.. فإذا بالشىء ذاته: مسألة وقت لا أكثر!
وبالتزامن مع زيارة وفد وزارة الخزانة، نقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية «سونا»، عن إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الأمريكى، أنه تقدم بمشروع قانون إلى الكونجرس لدعم البرامج التنموية التي تتبناها الحكومة السودانية الحالية!
لست بالطبع ضد دعم السودان بكل ما هو ممكن، فمثل هذا الدعم يسعد كل مصرى لأنه بمثابة دعم غير مباشر لنا، ولأن ما بيننا وبين السودانيين بامتداد التاريخ يجعل المصلحة واحدة، والمصير واحدًا، والمستقبل مشتركًا.. ولماذا لا يكون الأمر كذلك ونحن نشرب من ماء النهر الخالد معًا؟!
ولكن.. عندما يتوازى هذا الدعم الأمريكى المفاجئ مع موقف سودانى مفاجئ أيضًا ومعاكس في ملف السد، فالموضوع لابد أن يثير الانتباه والتساؤل.. فإذا عرفنا أنه ليس دعمًا مفاجئًا على مستوى أمريكا وحدها، وإنما على مستوى أوروبا أيضًا، من خلال زيارة للرئيس الألمانى إلى محطة كهرباء الخرطوم، ومن خلال محاضرة ألقاها في جامعة الخرطوم، جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبى.. فإن الحيرة تزداد، والتساؤل يصبح أوجب!