بقلم : سليمان جودة
الناس فى العادة لا تحب وزير المالية.. أى وزير مالية طبعاً.. وليس الدكتور محمد معيط، ويحدث هذا بالفطرة منذ أن كان فى الدنيا وزير مالية، لاعتقاد لدى كل مواطن فى أن الوزير عنده الكثير من الفلوس، وأنه يبخل بها ويتقشف!
وفى الغالب ليست هذه هى الحقيقة.. فوزير المالية حاله مثل حال أى رب بيت، عنده دخل محدد وأمامه مصروفات مطلوبة، ويحاول طول الوقت أن يوائم بين الدخل وبين المصروفات فلا يستدين!
وفى الفلسفة اليونانية أسطورة تحكى عن رجل بنى فندقاً على الطريق، وجعل كل شىء فيه مختلفاً عن الشىء الآخر.. إلا مخادع النوم.. فالسرير فى أى غرفة كان هو نفسه فى سائر الغرف من حيث الطول.. كانت كلها مقاساً واحداً، وكان الرجل كلما جاءه زبون جديد راح يتطلع إلى قامته، فإذا كان أطول من السرير جزّ منه بعض الشىء ليتناسب مع السرير، وإذا كان أقصر راح يمط فى جسده ليكون على قدر الطول المتاح!.
وهذا هو لسان حال وزراء المالية من أول وزير فيهم إلى الدكتور معيط، الذى دعا أمس الأول إلى جلسة استماع ثالثة، حول الموازنة العامة الجديدة للدولة.. والمفروض- كما سمعت منه- أن جلسة رابعة قادمة مع نواب فى البرلمان، وربما تأتى بعدها جلسة خامسة، وقد تكون هناك واحدة سادسة.. والهدف أن يقول وأن يسمع، وأن ينشأ حوار حول الموازنة التى يجب أن يتلقاها البرلمان نهاية هذا الشهر!
وقد روى ضاحكاً أنه وصل إلى لحظة ذهب فيها إلى البرلمان، ووضع الميزانية أمام الأعضاء، ثم طلب منهم أن يوزعوها هُم بمعرفتهم!
ولكن هذا لا يمنع أن تكون فى الميزانية أولويات، سواء وزع هو موارده على بنودها، أو تولى أعضاء البرلمان عملية التوزيع!.. ولا أولوية فى تقديرى تسبق أولوية الصحة والتعليم أو تنافسها، وقد سألته عما يفعله مع الدستور الذى يُلزم الحكومة فى أربع مواد من مواده، بتخصيص ما لا يقل عن عشرة فى المائة من الناتج القومى الإجمالى، للإنفاق على الصحة، والتعليم، والبحث العلمى!
الدستور يقولها بمنتهى الوضوح، وهو لا يقول هذا وفقط، ولكنه ينبه الحكومة أيضاً إلى أن هناك مرحلة تالية بعد تخصيص هذه النسبة للإنفاق على البنود الثلاثة.. هذه المرحلة هى الارتفاع بنسب الإنفاق عليها وصولاً بها إلى المعدلات العالمية!
وقد سألت الدكتور معيط سؤالاً آخر، عن شكل علاقتنا مستقبلاً بصندوق النقد الدولى فى ضوء تداعيات كورونا، فأجاب عليه بوضوح وأمانة، ثم عهد بسؤال الدستور إلى نائبه للسياسات المالية الدكتور أحمد كجوك، الذى لم يشأ أن يكون مقنعاً وتملص من الجواب!