بقلم : سليمان جودة
قرار تصفية شركة الحديد والصلب قرار صعب للغاية.. ليس على الحكومة وحدها.. وإنما على كل مواطن عاش يراها رمزًا من الرموز!
ولكن عندما تطالع التفاصيل تكتشف أنه لا بديل آخر، وأن الحكومة جربت كل الحلول فلم تصل إلى شىء، وأن قرار التصفية كان هو البديل الوحيد، وأنه أقرب ما يكون إلى الدواء المر بالنسبة للاقتصاد الذى ينزف مليارًا من الجنيهات سنويًا، هى خسائر الشركة!
عشنا نسمع عن الحديد والصلب، وعشنا نقرأ عن الصرح الكبير الذى تمثله الشركة، وعشنا نعرف أنها من شركات الطرح العام التى كان مواطنون كثيرون يملكون أسهمًا فيها.. فإذا بهم فى لحظة يكتشفون أنهم يملكون هواءً فى أيديهم، وإذا بنا نستيقظ على أن ديونها تقترب من عشرة مليارات جنيه، وأن على الدولة أن تدفع من خزانتها العامة مرتبات عمالها الذين يزيد عددهم على السبعة آلاف!
من حديث قبل شهور مع الوزير المختص هشام توفيق، فهمت أن الدولة حاولت الاحتفاظ بالشركة بأى طريقة، فكان الاحتفاظ بها استمرارًا للنزيف ليس أكثر، وفهمت أيضًا من حديثه يومها أن الدولة حاولت إعادتها إلى ما كانت عليه فى السابق، فكانت الخسائر تتراكم وتزيد ولا تتوقف.. ومن حديث الرجل عن الشركة قبل أيام نفهم أن المستثمرين الذين تقدموا للشراء انسحبوا جميعًا فى اللحظة الأخيرة، وأن واحدًا فقط هو الذى استمر، وأنه كان مقاولاً ولم يكن مستثمرًا!
وكان لابد من قرار شجاع، وكان لابد للقرار أن يمتلك الشجاعة التى جعلت الدولة تقتحم ملف الدعم بعد فزع متوارث من الملف دام أربعة عقود من الزمان!.. ولولا شجاعة القرار لكان نزيف الدعم مستمرًا معنا إلى الآن، ولكانت «العقدة» التى أفزعت حكومات سابقة متتالية منه لاتزال تخيف الحكومة الحالية!
ولا درس من تجربة «الحديد والصلب» سوى أن الدولة مدير فاشل، وأن عليها أن تتيح المساحة الأكبر للقطاع الخاص، وأن تشجعه، وأن تمنحه المزايا، وأن تُفسح له الطريق، وألا تزاحمه.. وعندها سوف تكسب مرتين: مرة عندما لا تتحمل من خزانتها عواقب الإدارة الفاشلة.. وأمامنا ملف الحديد والصلب مثالاً من أمثلة.. ومرة عندما تحصل على نصيبها الضريبى فى أرباح القطاع الخاص، دون أن تشاركه ثمن المخاطرة، ودون أن تتحمل شيئًا من خسائره إذا خسر!
الدولة الناجحة فى العالم من حولنا لا تدير ولا تملك، ولكنها تضع القواعد العادلة التى تنظم، ثم تطبقها وتراقب الأداء، وتظل تعيده إلى مساره المحكوم بقواعده كلما انحرف أو انجرف!.