بقلم : سليمان جودة
أعادنى الوباء إلى قراءة كتاب «إغاثة الأمة بكشف الغمة» للمقريزى من جديد، فهو من أشهر الكتب العربية التى تحدثت عن المجاعات والأوبئة فى تاريخنا، وربما يكون أشهر كتاب بلا منافس، ولا يزال مرجعًا فى موضوعه وأظن أنه سوف يظل!
اسم المؤلف كاملاً هو تقى الدين أحمد بن على المقريزى، وقد أصدر عدداً من الكتب، ولم يكن هذا الكتاب أهم مؤلفاته، ولا أكبرها حجماً، ولكنه اشتهر دون باقى المؤلفات، وقد يكون السبب أن عنوانه قصير قياساً على الكتب الأخرى، أو يكون أن موضوعه بطبيعته مثير للاهتمام !.. ولا بد أن كل واحد منا قرأ عن الشدة المستنصرية، أو سمع بها على الأقل، وإذا لم تكن قد قرأت عنها أو سمعت بها فتفاصيلها المخيفة موجودة فى هذا الكتاب، والتفاصيل تقول إنها مجاعة ضربت مصر فى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله!
وقد انتهى المقريزى من تأليف الكتاب عام ٨٠٨ هجرية، ومما ذكره المحققان اللذان حققا الكتاب وشرحا عباراته الغامضة، وأصدراه فى طبعة جديدة عام ١٩٤٠، أن سبباً خاصاً كان وراء تفكير المقريزى فى كتابه، وأن هذا السبب هو موت ابنته الوحيدة بوباء الطاعون!
وربما يكون القارئ الكريم قد انتبه إلى أنى وضعت كلمة المجاعات فى أول هذه السطور قبل كلمة الأوبئة، رغم أن العكس هو الصحيح!.. فالأوبئة تتسبب فى المجاعات فى العادة، والذين يتابعون بيانات منظمة الصحة العالمية منذ بدء انتشار وباء كورونا، سوف يلاحظون أنها تحذر مرة بعد مرة، من أن هذا الوباء إذا طال بقاؤه أكثر من اللازم قد يتسبب فى مجاعات حول العالم!
ولكن المقريزى يؤرخ لأن العكس كان يحدث فى مصر فى زمانه، ويرصد أسباباً لذلك، وسوف يستوقفك أنه يذكر ثلاثة على وجه التحديد، وأن «غلاء الأطيان» كان واحداً من هذه الأسباب!
وغلاء الأطيان هو ارتفاع سعر الأرض، ولا تعرف كيف يرتفع سعرها بالشكل الحالى فى بلد مساحته مليون كيلو متر مربع.. ولا أستطيع هنا إلا أن أذكر بكل تقدير اسم الدكتور فتحى البرادعى، الذى لما تولى وزارة الإسكان ساءه أن يكون هذا هو سعر متر الأرض فى بلادنا على اتساعها، فوضع مخططاً يضمن أن يحصل كل مواطن على قطعة أرض يقيم عليها بيتاً بسعر فى متناول اليد، ولكنه مضى بعدها ومضى معه المخطط!!.. إن علينا أن نعيد إحياء مخطط الرجل وألا نفرط فيه، لأن امتلاك بيت يعنى ترسيخ قيمة الانتماء لدى صاحبه.