بقلم : سليمان جودة
جاء طه حسين إلى الدنيا فى 15 نوفمبر 1889، وغادرها فى 28 أكتوبر 1973، وفيما بينهما كان قد صار مثالًا فى الكفاح والنجاح، ثم فى التألق الذى يصل إلى كل سقف!
وعندما أرادت جريدة صوت الأزهر أن تحتفل بالمناسبتين، دعت الدكتور على عبدالوهاب مطاوع، أستاذ الأدب والنقد فى جامعة الأزهر، فكتب فيها صفحتين كاملتين عما كان بين يوم المجىء ويوم الرحيل، وعما ترك لنا طه حسين من فكر، وأدب، وثقافة أضاءت الطريق ولا تزال!
وحين تحتفل «صوت الأزهر» بعميد الأدب العربى، وحين تضع صورته على غلافها، فإن ذلك له معنى مهم يجب ألّا يفوتنا!.. هذا المعنى هو أن عقل الأزهر، المتمثل فى الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، إنما هو عقل يرى حجم إنجاز طه حسين فى الاستنارة، والانفتاح، والاعتدال، ويريد لهذا كله أن يكون أمام كل منتسب إلى الأزهر، أملًا فى أن يصل بلدنا إلى المكانة التى يستحقها بين الأمم!
ولابد أن احتفال الجريدة بالعميد على هذا النحو اللافت يبقى محسوبًا لزميلنا، رئيس تحريرها، الأستاذ أحمد الصاوى، الذى يعرف أن طه حسين والإمام الأكبر كانا من بين الذين ذهبوا للدراسة فى باريس ثم عادوا بالأمل فى أن تحصل بلادهم على شىء مما تعرفه عاصمة النور.. نور العلم الذى يميز الإنسان المتطور على ما سواه من الكائنات!
وإذا أراد أحد أن يرى العميد من خلال عين أخرى، فلن يجد أفضل من عين زوجته سوزان، التى ارتبط بها منذ أن وطئت قدماه أرض فرنسا طالبًا يدرس فى جامعة مونبلييه!.. لقد أصدرت سوزان طه حسين كتابها عنه بعد رحيله، وجعلت عنوانه من كلمة واحدة، هى: معك!
هذا كتاب لا أستطيع أن أصف لك حجم ما فيه من متعة عقلية، ولكنك ستعرفها إذا قرأته، وسترى كيف أن قرينة العميد قد راحت فيما بعد مغادرته تزور الأماكن نفسها التى زاراها معًا، ثم تكتب بقلبها، وتصف بوجدانها، فتجرى دموعها نهرًا بين السطور!
تروى فى كتابها أن قارئًا فرنسيًا تأثر بكتاب «الأيام» إلى حد أنه أرسل يعرض التبرع بإحدى عينيه لعل البصر يعود إلى طه حسين!.. وتقول إن عميد الأدب العربى تأثر برسالة القارئ الفرنسى كما لم يتأثر بشىء من قبل، وتحكى هذا الموقف وغيره من المواقف ولسان حالها يقول إن الله تعالى قد عوّض زوجها عن البصر بنور البصيرة