بقلم: سليمان جودة
كان الأستاذ أنيس منصور قد أصدر كتاب «وجع فى قلب إسرائيل»، وكان الكتاب عما أصاب المنطقة بسبب وجود إسرائيل فى القلب منها.
وعندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال فى حق بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ووزير دفاعها السابق، يوآف جالانت، فإن وجعًا قد أصاب رأس إسرائيل لا قلبها هذه المرة، وهو وجع سوف يظل يلازم رئيس الحكومة فى تل أبيب ومعه الوزير السابق مدى الحياة. سوف يظل يلازمهما، حتى ولو لم يتم ضبطهما وإحضارهما استجابة للمذكرة التى هزت الدنيا.
وفى مايو، كان كريم خان، المدعى العام للمحكمة، قد طلب إصدار مذكرة فى حق نتنياهو وجالانت وثلاثة من قادة حماس، ورغم أن ما جرى فى مايو كان مجرد طلب إصدار للمذكرة، فإن الدنيا قامت وقتها ولم تقعد.. فما بالنا اليوم وقد صدرت مذكرة الاعتقال بالفعل؟.. وما بال رئيس حكومة التطرف فى تل أبيب ووزير دفاعه السابق، وقد أصبحا رهن الاعتقال فى أى لحظة إذا ما غادرا بلديهما؟.
الاثنان متهمان بشن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى قطاع غزة على مدى ما يزيد على السنة، وسوف يعيشان منذ اليوم تحت هاجس اعتقالهما إذا ما وصل أى منهما إلى بلد يكون من الدول التى وقّعت على الانضمام إلى المحكمة. هذه الدول يصل عددها إلى ١٢٣ دولة من أصل ١٩٨ دولة فى العالم، والمعنى أن ثلثى العالم تقريبًا سيكون محرمًا عليهما، وسوف يقضيان الحياة بينما سيف مصلت على رقبة كل واحد منهما يقول: وقوع البلاء ولا انتظاره!.
وفى الفترة من مايو إلى صدور المذكرة، تعرض خان لمحاولات النَّيْل منه ومن سمعته، وكان واضحًا أن الأصابع الإسرائيلية كانت تلعب ضده وكانت تلاعبه لعله يتراجع، ولكنه امتلك من الشجاعة ما لم يخطر لرئيس حكومة التطرف ووزير دفاعه على بال.
ويلفت الانتباه جدًّا أن أوروبا متجاوبة بشكل واسع مع المذكرة، وهذا فى حد ذاته يمثل علامة استفهام كبيرة، ويطرح سؤالًا عما إذا كان هذا التجاوب الأوروبى يمثل «رسالة» إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذى يتهيأ لدخول البيت الأبيض، والذى عرفناه فى ولايته الأولى على غير الوفاق المطلوب مع القارة الأوروبية!.. لقد أعلنت هولندا أنها ستنفذ المذكرة إذا فكر نتنياهو أو جالانت فى المجىء إلى أراضيها، وأعلنت إيطاليا الشىء نفسه على لسان وزير دفاعها، وقال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، إن المذكرة مُلزمة لكل دول الاتحاد!.
مذكرة المحكمة تبدو مثل حجر ضخم جرى إلقاؤه فى مياه السياسة الدولية، ولا تزال أصداء إصدارها تتسع وتضرب تل أبيب، التى أفاقت على أن ما ارتكبته من جرائم لم يكن من الممكن أن يمر أو يُنسى، ولو طال به الزمان.