بقلم : سليمان جودة
يجد الدكتور محمود عمارة سعادته فى أرضه التى يزرعها فى الطريق الصحراوى، ويجد راحته مع أصدقاء له يدعوهم من وقت إلى آخر يشاركونه السعادة بكل شجرة تشق الأرض، فيتجسد فيها شىء من إبداع الخالق سبحانه وتعالى فى الوجود!
وقد أعجبنى أنه فى كل جلسة تضمه هناك مع أصدقاء يضع دستورًا حاكمًا، ثم لا يسمح بالخروج عنه ولا بالجنوح بعيدًا عنه فى كل الأوقات!
هذا الدستور من مادتين اثنتين، إحداهما تنص على الابتعاد عن الحديث فى السياسة، والأخرى تدعو إلى مراعاة عدم النميمة فى حق إنسان غائب عن اللقاء!.. وما عدا ذلك متاح، ومشروع، وممكن، سواء كان فى الدردشة بوجه عام، أو الأدب، أو فى الرياضة، أو فى الفن، الذى أنتج له الدكتور عمارة فيلمين فى فترة من فترات حياته رئيسًا للجالية المصرية فى باريس!
ولابد أن فى دستوره هذا ما جعلنى أتذكر قصة كان الدكتور على السمان، يرحمه الله، قد رواها لى فى بيته المطل على نيل القاهرة!
كان السمان مستشارًا إعلاميًا للسادات فى السبعينيات، وكان يوسف السباعى وزيرًا للثقافة والإعلام، وكان السباعى قد دعا إلى لقاء مع المستشارين الإعلاميين على مستوى سفاراتنا فى عواصم غرب أوروبا.. كان مكان اللقاء فى عاصمة النور، وكان السمان بالطبع حاضرًا ينظم وقائع ما سوف يدور!
روى لى أن يوسف السباعى أمسك بالميكروفون، بعد انتهاء كلمته فى أول اللقاء، وقال إن عنده رجاء إلى كل راغب فى الحديث، أو فى الاستفسار عن شىء يكون قد التبس عليه بالغموض.. كان الرجاء ألا يتحدث أحد فى مسألة يكون زميل له قد سبق إليها فى الجلسة ذاتها، وأن يتجنبوا جميعًا الحديث فى القضايا التى لا يوجد لها حل جاهز، وعملى، ويمكن الأخذ به على الفور!
وكان المعنى أن يستفيد الحاضرون، وأن يقفزوا فوق ما هو غير ممكن إلى ما هو ممكن.. وكانت النتيجة أن وقت اللقاء قد جرى اختصاره إلى النصف تقريبًا، دون أن يضيق صدر أحد ممن حضروا، ودون أن يضيع وقت الحاضرين ولا وقت الوزير، الذى كان قد جاء إليهم خصيصًا من القاهرة!
وربما كان ارتباط الدكتور عمارة بالزراعة هنا، وفى فلوريدا الأمريكية قبل سنوات، قد علّمه أن يكون عمليًا لا يستهلك وقته فيما لا يفيده أو يفيد الناس!.. وربما لأنه قضى سنوات يدرس القانون، الذى يربط المقدمات بنتائجها دون الاستغراق فى التفاصيل!