بقلم : سليمان جودة
كان الدكتور يوسف إدريس يتندر فى أكثر من مناسبة عامة ويقول إنه لا يستطيع أن يفهم كيف يظهر البترول بغزارة فى ليبيا على حدودنا الغربية، ثم يقفز فوقنا ويتجاوزنا، ليظهر على حدودنا الشرقية فى السعودية بالغزارة نفسها وربما أكثر؟!.. كان الأديب العظيم يتداول هذه الملاحظة فى أكثر من لقاء من لقاءاته مع الجمهور، وكان يبحث عن تفسير منطقى، ولم يكن يجد تفسيراً يقبله العقل!.
ولو عاش يرحمه الله إلى هذا العام لكان قد وجد فى الخبر الذى أعلنه المهندس طارق الملا، وزير البترول، أمس الأول، شيئاً من التعويض لنا من جانب الطبيعة فى هذا الشأن!.
فالوزير الملا أعلن فوز ثلاث شركات عالمية بمزايدة للتنقيب عن البترول والغاز فى البحر الأحمر، باستثمارات تبلغ ٣٢٦ مليون دولار!.. وكانت هناك عدة أشياء لافتة فيما أعلنه الوزير، أولها أن الشركات الثلاث من أضخم شركات البترول فى العالم.. وثانيها أن هذا الرقم الخاص بحجم الاستثمارات سوف يتجاوز مستوى مئات الملايين من الدولارات إلى مستوى المليارات فى مرحلة الاكتشاف والتنمية لاحقاً.. وثالثها أن الشركات تنقب فى مساحة تصل إلى عشرة آلاف كيلومتر مربع!.
ولم يكن هذا فقط هو اللافت فى حديث الرجل.. فاللافت أكثر وأكثر، أن هذا هو التنقيب الأول من نوعه فى مياهنا الإقليمية فى البحر الأحمر!.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن إقبال شركات من وزن شركة شل مثلاً.. وهى إحدى الشركات الثلاث.. على التنقيب فى هذه المنطقة عندنا، سوف يكون عامل إغراء أمام استثمارات كبرى أخرى لا يمكن إنكاره.. استثمارات فى مجالات أخرى تتيح فرص عمل نحن أحوج ما نكون إليها!.
ويبقى بعد هذا كله شىء مهم.. هذا الشىء هو أن ترسيم الحدود بيننا وبين السعودية قد أتاح لنا طرح المزايدة فى مارس الماضى من خلال شركة جنوب الوادى القابضة.. وربما نذكر الآن تلك الضجة الواسعة التى صاحبت عملية ترسيم الحدود!.
فقبلها لم يكن مثل هذا الطرح من جانبنا ممكناً، وبعدها بدأ الطرح بشكل مباشر وسريع.. ومَنْ يدرى؟!.. فربما تكشف عملية التنقيب على يد الشركات الثلاث عن خير كثير يعود فى النهاية بالنفع فى حياة كل مواطن، وفى جسد اقتصادنا فى العموم!.
وقد جاء خبر فوز الشركات الثلاث، وكأنه من حيث توقيته هدية للمصريين فى مطلع عام جديد، بيننا وبين بدايته ساعات معدودة على أصابع اليدين.. ولابد أن الشكر هنا مضاعف: مرة للرئيس الذى قاد عملية الترسيم، ومرة للوزير الذى أعلن عن بدء عملية التنقيب!.