سليمان جودة
كان رأيى، ولايزال، أن فى البلد جهة وحيدة تقع عليها مسؤولية منع الاحتكار فى الأسواق، وأن هذه الجهة الوحيدة هى جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ولا جهة غيرها!
وفى أول هذا الشهر كنا قد واجهنا أزمة اشتعلت فجأة فى سوق لبن الأطفال، وكان الجيش قد تدخل، وكان العميد محمد سمير، المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة، قد قال إن التدخل كان بهدف منع الذين أرادوا أن يمارسوا احتكاراً فى الأسواق.. وكنت قد كتبت فى حينها أقول إن تدخل الجيش يُحسب له، لا عليه، غير أن هذا يجب ألا يلفتنا عن حقيقة لا خلاف حولها، هى أن الذى عليه أن يكافح الاحتكار، بكل أشكاله، وأياً كان مكانه، هو الجهاز الذى نشأ لهذا الهدف، عام 2005، لا الجيش الذى تظل أمامه مهام أخرى أكبر، فى البلد.
يومها تلقيت اتصالين، أحدهما من العميد سمير، الذى أظن أن أداءه فى مكانه موضع إعجاب كثيرين، وثانيهما كان من الدكتورة منى طعيمة الجرف، رئيسة الجهاز.
العميد سمير كان يريد أن يوجه الشكر على أنى تناولت المسألة بموضوعية، وقد بادلته شكراً بشكر، ثم أضفت إلى الشكر تقديراً لدوره، ولدور جيشنا العظيم الذى لا يفكر فى النيل منه إلا صاحب غرض.
وأما الدكتورة منى، فأتصور أن الرسالة التى جاءتنى منها بعد اتصالها تقول إن الجهاز فى حاجة إلى فعل، لا كلام، من الدولة، إذا كانت تريد حقاً أن تحمى مواطنيها من عواقب الممارسات الاحتكارية فى الأسواق.. أما إذا كانت لا تريد، وإذا كانت تقول إنها تريد، ثم تمارس دور المتفرج على مواطنيها وهم يتحولون إلى فريسة لكل محتكر، فهذا موضوع آخر تماماً!
رئيسة الجهاز تقول فى رسالتها إن أى جهة فى الدولة كلها لم تخاطب الجهاز فى موضوع لبن الأطفال، على الإطلاق.. وعندما تخرج معلومة كهذه عن رئاسة الجهاز، صاحب الشأن الوحيد فى قضية الاحتكار، فالمفترض أن تستحيى الدولة، وأن تخاطبه هو، حين ينشأ احتكار من أى نوع، فى أى موقع، وإلا فإننا نهرج!
ومن بين ما تقوله الدكتورة منى أن جهات وأجهزة فى الدولة ترفض تماماً الإفصاح عن أى معلومات لمساعدة الجهاز فى القيام بعمله!!.. وأتمنى منها أن تسمى هذه الجهات، جهة.. جهة.. حتى يعرف المواطن عدوه من صديقه!
ثم تقول ما هو أفدح، عن أن يد الجهاز مغلولة، لأن طابع «الجنائية» يغلب على قانونه، منذ نشأ، على عكس طابع «الإدارية»، الذى يميز كل الأجهزة المثيلة فى العالم، وأن ذلك فى حاجة إلى تعديل تشريعى عاجل، وإلا فليس من حق أحد أن يلوم الجهاز على أنه لم ينهض بدوره الواجب.. وهذه نقطة موجهة إلى نواب الشعب الذين انعقد برلمانهم، ثم انفض، دون أن يفكر فى تعديل من هذا النوع، يحمى المستهلك من الذين ينهشون لحمه على الملأ!
ساندوا الجهاز بجد، وادعموه أو ألغوه، بدلاً من مواصلة الضحك على الناس!