بقلم : سليمان جودة
كان كثيرون إلى قبل انتشار كورونا بساعة، يتبرمون من إجراءات السفر فى المطارات، وكانوا يجدون إرهاقاً فى خلع الجاكيت والحزام والساعة والحذاء، للمرور من جهاز كشف الممنوعات، ولم يكونوا يتصورون أن يأتى عليهم يوم يشدهم فيه الحنين إلى ذلك كله، ويستعجلون من أماكنهم عودته، بينما لسان حالهم يقول: اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم!
ولابد أن كل واحد منهم يجلس فى بيته مضطراً الآن، ثم يتأمل الطير فى الخارج تقفز من غصن إلى آخر، وتطير فى السماء وتعلو فى الفضاء، ثم لا يعنيها شىء مما يعنينا ولا تلتفت إليه، ويتمنى حبيس الكورونا لو كان فى مكان ذلك الطائر الذى لا يمنع حركته شىء!
وكنا نسمع عن الحريات الأربع بين القاهرة والخرطوم فى وقت من الأوقات، ثم نستعرضها واحدة وراء أخرى، وندعو إلى العمل بها والحرص عليها طريقاً إلى التقريب أكثر بين البلدين، ولم نكن نتوقف كثيراً أمام حرية التنقل التى كانت واحدة من بين الأربع.. لم تكن هذه الحرية فى التنقل بالذات تستوقفنا، على اعتبار أنها من المسلمات البديهيات، فلما جاء كورونا أثبت لنا بالدليل العملى أنها ليست بديهية كما عشنا نتصور، وأنها ليست من بين المسلمات كما كنا نتخيل!
وكنا نقرأ عن العقاد الذى لم يسافر فى حياته كلها سوى مرات أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، منها مرة إلى السودان عندما كان القائد الألمانى روميل على مشارف العلمين فى الحرب العالمية الثانية.. فالعقاد كان قد كتب ضد هتلر، وكان يخشى انتقام الألمان إذا دخلوا القاهرة، ولم يجد أقرب من السودان يذهب إليه، فلما انهزم روميل عاد مطمئناً دون خوف!
وكنا نرى نجيب محفوظ يعيش بين القاهرة والإسكندرية، ولا ننتبه إلى أنه لم يسافر فى حياته سوى مرتين إحداهما الى اليمن، ولم يكن غريباً أنه لما فاز بجائزة نوبل لم يتحمس للذهاب لتسلمها، وأرسل ابنته إلى السويد تتسلم أعلى جوائز العالم نيابة عنه، ولم تفلح الجائزة بجلالة قدرها فى تغيير شىء من عادته التى لازمته فعاش ومات عليها!
وحين فكر فى تغيير عادته كان ذلك على سبيل النكتة.. فلقد تعاقد على نشر أعماله وتقاضى مليون جنيه، فلما سألوه عما كان يراوده فى اللحظة التى حصل فيها على هذا المبلغ للمرة الأولى قال: فكرت فى الهرب به إلى الخارج!.. وكان قد شاع وقتها هروب كثيرين ممن حصلوا على قروض من البنوك بالملايين!