بقلم : سليمان جودة
الفكرة فى مدينة الذهب، التى طلب الرئيس إنشاءها وفق معايير محددة، وحسب مواصفات معينة، هى فكرة جديدة تمامًا.. ولأنها كذلك.. فهى فى حاجة بالتالى إلى أن تنشأ مستوفية عناصرها كلها، وأن تقف فوق أرضية صلبة منذ البداية، فلا ينقصها شىء حين تتجسد أمامنا فى النور!
وهذا ربما هو الذى استفز الدكتور عادل الديب، خبير إدارة الأزمات، عندما تناولتُ المدينة وفكرتها فى هذا المكان قبل أيام، فكتب- فى رسالة جاءت منه- يقول إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإنه عندما طالع تفاصيل التوجيه الرئاسى بإنشاء هذه المدينة الفريدة، تمنى لو أنها ضمت فى داخلها ما لابد منه فيها، وتمنى لو أنها استوفت داخلها ما لا غنى عنه فى بنيتها، وإلا فإنها ستظل تعانى نقصًا فادحًا فى تكوينها!
الرسالة تقول إن سبائك الذهب المصرية تذهب إلى كندا، بعد صبها، من أجل الحصول هناك على ما يسمى «المعايرة أو الدمغ»، الذى بدونه لا يعترف العالم بمثل هذه السبائك عندنا، ولا يعتبرها ذهبًا!
ولذلك.. فلا شىء سوف يجعل مدينة الذهب مكتملة الأركان إلا التخطيط منذ البداية فيها لمعمل دمغ يجعل السبيكة المصرية مساوية لأى سبيكة أخرى فى أى عاصمة، من حيث المواصفات التى لا بديل عن أن تتوافر لها!.. صحيح أنه معمل مكلف فى إنشائه، ولكن عائده سيزيد مع مرور الوقت لأنه سيتكفل بعد الانتهاء منه بدمغ الذهب هنا، ومعه ذهب السودان وإثيوبيا، ومعهما ذهب إفريقيا أيضًا!
ولتقريب الصورة أكثر.. فإن معمل دمغ الذهب يشبه معامل تسييل الغاز، التى لما نشأت على أرضنا تكفلت بتسييل الغاز المصرى ومعه غاز عدد من الدول فى المنطقة، وأصبحت تمثل ميزة نسبية تمتلكها القاهرة بين العواصم من حولها فى الإقليم!
إن إنشاء مدينة للذهب فى البلد معناه الرغبة فى توطين صناعة الذهب على أرضنا، ولكن هذا سوف ينقصه الكثير جدًا فى غير وجود معمل الدمغ لأننا فى غيابه سوف يكون علينا أن نتحمل تكلفة شحن سبائك الذهب إلى كندا، مع تكاليف تأمينها، إلى جانب تكلفة باقى النثريات!.. والقصة شبيهة بالرغبة فى توطين صناعة السيارات الكهربائية، التى لا يمكن توطينها إلا بمركز لأبحاث وتصنيع بطارياتها!
فكرة معمل الدمغ التى يقترحها الدكتور «الديب» أقدمها إلى المهندس طارق الملا، وزير البترول، الذى أظن أنه سوف يتحمس لها بحكم أنه المسؤول عن إنشاء المدينة، وبحكم أن نجاحها محسوب فى ميزانه!