بقلم : سليمان جودة
المفاجأة فى جائزة نوبل للاقتصاد هذا العام، ليست فى أنها ذهبت إلى ثلاثة من خبراء الاقتصاد الأمريكان معاً، ولكن المفاجأة أن بين الثلاثة خبيرة اقتصادية، هى ثانى امرأة تحصل على نوبل فى الاقتصاد، منذ نشأ هذا الفرع من الجائزة قبل ٥٠ سنة.. وهى أيضاً الأصغر فى تاريخ نوبل.. فعمرها ٤٦ عاماً!
ولكن هذه المفاجأة تبقى شكلية رغم كل شىء.. فالمفاجأة الحقيقية تظل فى أن الثلاثة قاموا بدراسات نظرية واسعة، وزاروا عدداً من الدول فى أكثر من قارة، وكانوا فى الحالتين يبحثون نظرياً وعملياً، عن الطريقة الأنجح للقضاء على الفقر!
وقد رأت هيئة الجائزة فى مقرها بالنرويج، أن الثلاثة توصلوا إلى طريقة لمحاصرة الفقر تماماً على المدى الطويل، تختلف عن كل طريقة سابقة!
فماذا فعلوا؟!.. زاروا الهند فى آسيا، وزاروا دولاً فى إفريقيا، ولاحظوا حياة الناس، واكتشفوا أن مكافحة الفقر ليست فى أن تعطى الفقير مالاً فى يده، لأنه سرعان ما سوف ينفقه، ثم يطلب مالاً آخر، ومالاً ثالثاً، وهكذا وهكذا بلا نهاية للطلب.. ولا للفقر طبعاً!
ولا مطاردة الفقر تكون بالمساعدات العينية أياً كان حجمها وشكلها، فبسرعة سوف يستهلك الفقير كل مساعدة تقع فى يده، وسوف يكون فى حاجة متجددة إلى مساعدات لا تتوقف، وسوف يبقى فقره كما هو، وربما تزداد حدته مع مرور الأيام!
فما العمل؟!.. هكذا أتخيل أن الخبراء الثلاثة قد سألوا أنفسهم فى حيرة بالغة، ثم راحوا يبحثون عن إجابة تكون شافية!.
وكانت الإجابة أنه لا شىء يلاحق الفقر ليقضى عليه فى كل مكان سوى شيئين اثنين.. أما أولهما فهو إتاحة نظام تعليمى صحيح للتلاميذ.. وقد جربوا الفكرة على ٦٠ مليون تلميذ هندى، وكانت ناجحة للغاية.. والفكرة هى أن تعليم التلميذ الفقير جيداً يضمن له فرصة عمل، ويضمن بالتالى معيشة أفضل، ويضمن كذلك صعوده من طبقة اجتماعية يعانى من وجوده فيها إلى طبقة اجتماعية أعلى!
والشىء الثانى، هو إقناع الدول بأن أفضل ما يمكن أن تقدمه لفقرائها أن تزيد من الإنفاق العام المخصص للخدمات العلاجية التى تقدمها لهم!
وربما لا تبدو الفكرة التى جاء بها الثلاثة جديدة من أول وهلة، ولكن الجديد فيها أنهم نقلوا أفكارهم من الكتب الى الواقع بأنفسهم، وأثبتوا نجاحها، وبشروا بها، وراهنوا عليها، واعتبروها هدية لكل فقير!.