بقلم : سليمان جودة
بالتوازى مع اجتماعات مدينة بوزنيقة الساحلية المغربية التى ضمت طرفى الصراع فى ليبيا، استقبلت القاهرة وفدا ليبيا محسوبا على حكومة الوفاق، فى خطوة إيجابية استعادت فيها مصر قنوات اتصالها المعلنة مع ممثلين عن حكومة غرب ليبيا فى طرابلس، وتؤكد مرة أخرى على أن حل الأزمة الليبية سياسى وليس عسكريا، رغم التحديات والصعوبات الجمة التى تقف أمامه.
وضم اجتماع القاهرة خمسة أعضاء من البرلمان الليبى الموالين لحكومة الوفاق، وثلاثة من أعضاء المجلس الأعلى للدولة المقربين أيضا من الوفاق، وهو لقاء استكشافى يعيد الاعتبار للأدوات السياسية فى حل الصراع الليبى، خاصة أن مصر لم تخف دعمها للبرلمان والجيش الوطنى الليبى، وفى نفس الوقت تستعيد التواصل مع الطرف الآخر، وهى ميزة كبرى لا تمتلكها تركيا التى انحازت بشكل عسكرى وسياسى لطرف وحاولت إقصاء الطرف الآخر.
ممثلو الوفاق فى القاهرة ينوون أيضا الذهاب للإمارات التى اتخذت موقفا متشددا من حكومة الوفاق، وهو سيعنى أن الجميع أصبح مقتنعًا من الناحية النظرية والعملية أن لا حل عسكريًا فى ليبيا ولا إلغاء لطرف إلا العناصر المتطرفة والإرهابية.
والحقيقة أن هذا الطرح تمسكنا به منذ محاولة حفتر فى 4/4 من العام الماضى دخول طرابلس، وأكدنا استحالة نجاحه رغم حماس البعض وتهليل البعض الآخر وتهوينهم من الأمر، فى حين أن الواقع العملى يقول إن حفتر عجز عن تحييد أطراف قبلية وسياسية داخل طرابلس بعيدة عن قوى التطرف، بما يعنى أنه سيدخل فى مواجهة مع ثلثى سكان ليبيا الموجودين فى العاصمة طرابلس ومدن الغرب، وهو ما حدث جزئيًا وأدى إلى فشل محاولته.
والحقيقة أن استعادة المسار السياسى لا تعنى أن الحل السياسى قريب، بل لايزال يواجه صعوبات جمة ترجع لطبيعة الوضع الليبى الذى تغيب عنه «آلية تنفيذ القانون» أو آلية تنفيذ الاتفاقات السياسية نتيجة غياب مؤسسات الدولة أو انقسامها أو محاولات السيطرة على القليل الموجود منها، أو ما تم بناؤه.
ولذا، فإن التفاهمات التى أعلن عنها فى المغرب أمس الأول، والمتعلقة بالتوافق على المناصب السيادية (ووصفه البعض الآخر اقتسام السلطة) المنصوص عليها فى المادة 15 من اتفاق الصخيرات ستواجه تحديات التنفيذ فى الواقع، وهى متعلقة بسبعة مواقع: محافظ مصرف ليبيا المركزى، ورئيس ديوان المحاسبة. ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام.
إن اتفاق الصخيرات نفسه الذى مثل الصورة الأكثر إحكامًا وتحديدًا لكل التفاهمات التى جرت بين طرفى الصراع فى ليبيا لم يمتلك آلية لتنفيذه، وهذا هو نفس التحدى الذى يواجه التفاهمات الأخيرة، طالما بقى هناك انقسام فى الجيش وأدوات إنفاذ القانون فستبقى هناك صعوبات كبيرة فى تنفيذ الاتفاقات على الأرض.