بقلم : سليمان جودة
اعتراضك على اسم مرشح فى انتخابات مجلس الشيوخ هنا، أو على اسم مرشح هناك، أو حتى على المجلس نفسه، لا يعنى أن تقاطع الانتخابات، ولا يبرر الجلوس فى بيتك، ولا يعطيك الحق فى أن تقاطعها وتدعو غيرك إلى المقاطعة!
إننى أعترف لك بحقك الكامل فى رفض بعض المرشحين، أو فى رفضهم جميعاً، ولكنى لا أعترف لك بالامتناع عن الذهاب إلى اللجنة المسجل فيها اسمك لتقول لا.. أو تقول العكس!.. فالتصويت بطبيعته سرى، ولا أحد سوف يعرف اسم المرشح الذى أعطيته صوتك الانتخابى، كما أن أحداً لن يرغمك على اختيار فلان من بين المرشحين دون فلان منهم!
والفكرة كلها هى فى إحياء المشاركة كقيمة، لأن هذه القيمة هى فى النهاية نوع من التدريب على أن تكون شريكاً فى صناعة مستقبل بلدك، ولأن المواد السبع التى تتحدث عن المجلس فى الدستور، تعطيه مساحة إيجابية من الحركة فى حياتنا السياسية، وتجعل الحياة النيابية فى بلدنا تمشى على قدمين: قدم يتساند عليها مجلس النواب، وقدم أخرى تحمل مجلس الشيوخ!
وأنت لو نظرت فى مواد الدستور فسوف تتوقف فيه عند آخر سبع مواد، بدءاً من المادة ٢٤٨ إلى المادة ٢٥٤، وسوف تجد أن مهاماً محددة فى هذه المواد تنتظر المجلس، وهى مهام ليس أولها دعم المقومات الأساسية للمجتمع، ولا آخرها مناقشة السياسة العامة للدولة!
وفى رواية يوميات نائب فى الأرياف، كان توفيق الحكيم قد أجرى حواراً بين مأمور المركز وبين وكيل النيابة، وكان المأمور يقول إنه فى أى انتخابات يعطى كل مواطن الحرية التامة فى اختيار أى مرشح يحبه، ولكنه يأخذ صندوق الأصوات ويلقيه فى أقرب ترعة، ثم يأتى بصندوق جديد فى مكانه ويضع فيه من الأصوات ما يقول نعم بأعلى صوت لمرشحى الحكومة!
كان هذا فى زمن انقضى.. وليس من المتصور أن يكون مثل هذا التصرف قائماً هذه الأيام، فالدنيا تغيرت ولم يعد فى إمكان المأمور أن يفعل ما كان يفعله مأمور توفيق الحكيم، ولو حاول أن يفعل ما حدث زمان فسوف يجد ألف عين تلاحقه وتمنعه!
والمعنى أن الدنيا تغيرت، وأن كل مواطن مدعو إلى أن يجارى هذا التغيير، وأن ما كان يجرى على الأصوات أيام توفيق الحكيم لن يجرى على صوتك الذى ستعطيه!