بقلم : سليمان جودة
دعوات الذهاب إلى الحرب فى ليبيا يجب أن تهدأ، ويجب أن تتوقف عن الضغط على صانع القرار، وعلى أصحاب هذه الدعوات أن ينتبهوا إلى أن الحرب عمومًا ليست نزهة!
وإذا كان هذا المعنى ينطبق على ذهابنا إلى أى حرب فى أى اتجاه حولنا، فهو ينطبق أكثر وأكثر على الحرب فى ليبيا، ويكفى أن نلتفت إلى أن «محور سرت الجفرة» المرشح لأن يكون منطقة الصدام بين قوات الجيش الوطنى الليبى وبين ميليشيات حكومة السراج، يبعد عن حدودنا ألف كيلو متر!
ومع ذلك.. فهذا كله جزء من الشكل فى الموضوع، ويبقى المضمون فى الموضوع نفسه، أن إبحار أردوغان إلى الشواطئ الليبية يحظى منذ البداية برضا أمريكى واضح!.. ففى كل مرة تحدثت فيها واشنطن عن الوجود التركى فى ليبيا لم تذكره بالاسم أبدًا، وكانت تتكلم دائمًا عن ضرورة خروج «الأطراف الخارجية» الموجودة فوق الأراضى الليبية، ولم تكن فى الحقيقة تقصد أطرافًا مجتمعة تراها أمام عينيها، ولكنها كانت ولا تزال تقصد الطرف الروسى بالذات!
الذهاب إلى ساحة حرب هذه هى السمة الأولى فيها، لابد بالتالى أن يكون محسوبًا بالورقة والقلم، ولابد أن نستحضر فى الذهن ما عاش السادات يقوله بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣.. عاش يقول إنه لم يوقف الحرب إلا بعد أن تبين له فى مرحلة متأخرة من مراحلها أن حربه صارت مع أمريكا فى الحقيقة ولم تعد مع إسرائيل!
هذه واحدة.. والثانية أن حلف شمال الأطلنطى، الذى يضم تركيا فى عضويته وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية، لم يحرك ساكنًا أمام إرسال ميليشيات أردوغان وطائراته المُسيّرة إلى شواطئ العاصمة الليبية طرابلس، رغم أن الحلف يعلم أن قرارًا صدر عن الأمم المتحدة بمنع دخول أى سلاح إلى ليبيا!
والثالثة أن واشنطن التى تتحدث طويلًا عن وقوفها ضد تيار الإسلام السياسى فى المنطقة، لا تعنى ما تقوله بالضبط فى هذه القضية، ولا تزال دوائر حاكمة فى العاصمة الأمريكية، تتواصل مع هذا التيار وتحتفظ به ورقة فى يدها تستخدمها وتوظفها!
وليس رضاها عن حكومة السراج ومنحها ما تسميه الشرعية الدولية، سوى درجة من درجات علاقة لها لم تنقطع مع تيار الإسلام السياسى فى المنطقة!.. هذه سمات ثلاث فى المشهد الليبى الحاضر، والمؤكد أن صانع القرار لدينا يراها ويدركها، والمؤكد أنه يعرف كيف يحمى أمن بلاده، وكيف يكسر كل قدم تقترب من حدودنا!.