بقلم : سليمان جودة
مساء الجمعة، ذهب السفراء العرب والأجانب إلى المتحف المصرى فى التحرير، احتفالاً بمرور ١١٧ سنة على إنشائه، فحصلوا من الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، على وعد بحفلين كبيرين فى العام القادم.. أحد الحفلين سيكون إعلاناً عن افتتاح المتحف الكبير فى الهرم، والثانى سيكون فى متحف التحرير نفسه، الذى سيكون قد أضاف عاماً جديداً إلى عُمره الطويل!.
ولا بد أن الدكتور العنانى قد امتلأ بالبهجة وهو يأخذ الضيوف إلى جولة بالمتحف، وكان مصدر بهجته أنه رأى الدهشة فى عين كل ضيف!.. فجميعهم كانوا مأخوذين مما بدا أمامهم، وجميعهم كانوا يستزيدون الدكتور مصطفى وزيرى، الذى كان يشرح لهم معالم الجولة بحماس ظاهر، وجميعهم كانوا يمتلئون بالاحترام للبلد الذى أنتج أجداده هذا الفن الباقى!.
وعندما وقف الوزير يقول لضيوفه إن التعليم كان جزءاً لا ينفصل عن تكوين الحضارة المصرية القديمة، كان يروى الحقيقة المنقوشة على الجدران، وكنت من جانبى أتذكر كيف أن ملكاً من ملوك مصر القديمة قد راح يوصى واحداً من أمراء الأقاليم فيقول: وليكن ما يخيف الناس منك أنك عادل فى حكمك!.
إن ملكاً يوصى أميراً من أمراء الأقاليم بمثل هذه العبارة، إنما يشير من بعيد إلى مضمون عظيم قامت عليه حضارة عظيمة!.
والحقيقة أننى لا أنسى أن الفنان فاروق حسنى قد دعا ذات يوم قريب إلى البدء فى إجراءات تحويل متحف التحرير إلى مدرسة للمصريات تؤدى رسالة محددة فى مكانها!.
وكنت قد نقلت عنه دعوته فى هذا المكان، وكان هو متحمساً لها لأبعد حد ولا يزال، وكان الدكتور العنانى قد ناقشنى فيها وقتها، ومما قاله إن المتحف سيبقى جزءاً من برنامج أى سائح قادم إلينا، فى مرحلة ما بعد افتتاح المتحف الكبير!.
وكان تقدير فاروق حسنى فى المقابل أن افتتاح المتحف الكبير سيجعل السائح غير متحمس لزيارة متحف التحرير، لأنه سيجد كل ما يريده عن حضارتنا الفرعونية متاحاً أمامه فى الهرم، ولأن تحويل متحف التحرير إلى مدرسة للمصريات سيكون مكسباً كبيراً لنا، ولأنها ستصبح مدرسة فريدة من نوعها فى العالم، ولأننا أحوج الناس إليها، ولأن العالم الشغوف بحضارتنا ينتظرها منا، لتكون على غرار مدرسة اللوفر فى باريس التى لا مثيل لها!.
إننى أدعو الدكتور العنانى إلى التفكير من جديد فى الفكرة، وأدعوه إلى السعى لإقناع الدولة بها، لأنها ستتقبلها منه أكثر مما تتقبلها من سواه، وأراهن على يوم يأتى فنذكر فيه بالكثير من الفرح، أن مدرسة للمصريات قامت فى التحرير، وأن فكرتها إذا كانت تعود لفاروق حسنى، فإن الذى نقلها إلى الواقع هو خالد العنانى!.