بقلم : سليمان جودة
ليست المرة الأولى التى يعتدى فيها شرطى أمريكى أبيض على مواطن أسود فى عرض الطريق، فتقوم الدنيا ولا تقعد وتنطلق الاحتجاجات فى المكان!
ولكنها المرة الأولى التى تصل فيها الاحتجاجات التى بدأت الاثنين الماضى إلى هذا الحد الزمانى والمكانى معاً.. فلقد استمرت أسبوعاً حتى لحظة كتابة هذه السطور، وربما تستمر أكثر فى الزمان وفى المكان، فتكون هى الأوسع على المستويين فى الولايات المتحدة الأمريكية!
وكانت البداية عندما استوقف الشرطى مواطناً صار اسمه شهيراً من كثرة ترديده فى وسائل الإعلام.. المواطن اسمه جورج لويد.. والمشكلة ليست فى اسمه ولكنها فى لونه.. والمعنى أنه لو كان مواطناً أبيض البشرة ما كانت هذه العواقب كلها قد وقعت!
وتفاصيل القصة تقول إن الشرطى ديريك شوفين قد أوقع لويد أرضاً، ثم داس على رقبته بقدمه حتى مات اختناقاً!!.. والطريقة نفسها كفيلة بإثارة الدنيا كلها، وكفيلة بأن يتعدى أثرها حدود مدينة مينيابوليس التابعة لولاية مينيسوتا التى وقع فيها الحادث!
والعواقب التى تجاوزت التظاهر إلى الحرق والنهب، لم تتوقف عند حدود المدينة ولا حتى الولاية، ولكنها تجاوزتهما إلى مدن وولايات أمريكية أخرى، ثم تجاوزت المدن والولايات إلى مدن فى كندا المجاورة على الحدود فى الشمال، وكذلك وصلت إلى أوروبا على الشاطئ الشرقى من المحيط الأطلنطى، فخرجت مظاهرات كندية أوروبية ترفض ما جرى وتطلب توقيع عقاب لا يسمح بتكراره!
وعندما تصل التداعيات إلى كندا مرة، ثم إلى أوروبا مرةً ثانية، فمعنى ذلك أن الواقعة قد اكتسبت البُعد الإنسانى، وأنها حركت المشاعر لدى كثيرين حول العالم لا يعرفون جورج لويد، ولا سبق أن التقى به أحدهم فى أى طريق.. ولكنها المشاعر الإنسانية التى توحّد بين الناس فى مثل هذه الحالات، وتقفز فوق حواجز اللون، واللغة، والجنسية، وكل حاجز من أى نوع!
واللافت أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لم يمس هذه النقطة، وهو يحاول تطويق الحريق الذى أشعله الحادث المأساوى ولايزال يشعله داخل أمريكا وخارجها.. لم يمس هذه الزاوية فى الموضوع رغم أنها الزاوية الأهم فيه.. وكأن الرئيس رجل بلا قلب!
وإذا شئنا الدقة قلنا إن ترامب له قلب طبعاً، ولكنه «قلب مُطوّر عقارى» من الجائز جداً ألا يعرف مثل هذه الأمور، ولا يستوعبها، ولا يفهم فيها!