بقلم : سليمان جودة
ليس سرًا أن القاهرة انتقلت مؤخرًا فى حديثها عن سد النهضة مع الجانب الإثيوبى من مربع إلى مربع آخر.. ففى البداية كانت المرحلة هى مرحلة الكلام الهادئ المرن الذى يتميز بطول البال.. وفى مرحلة تالية وحالية انتقلنا إلى خانة اللغة الخشنة، التى تلفت انتباه الجانب الآخر إلى أن الهدوء ليس ضعفًا ولن يكون، وأن المرونة ليست تفريطًا فى حصتنا فى ماء النهر ولن تكون!
ولم يكن هذا الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أو من لغة إلى لغة أخرى تعبيرًا عن رغبة فى افتعال مشكلة مع حكومة آبى أحمد فى إثيوبيا، وإنما كان عن رغبة فى توصيل رسائل سياسية معينة إليها، وعن رغبة أيضًا فى إفهامها ما لا تريد أن تفهمه!
وكانت اللغة الخشنة وما رافقها من خطوات نوعًا من العصا، التى لابد منها فى الكثير من الأحيان بين الدول، عندما لا تكون اللغة الدبلوماسية المعتادة كافية لنقل ما يجب على الطرف الآخر أن يستوعبه!.. والمؤكد أننا لم نلجأ إلى اللغة الخشنة إلا بعد أن ضقنا ذرعًا بألاعيب الحكومة فى أديس أبابا، التى لم تكن تنكشف لها حيلة إلا وتفتش عن حيلة مختلفة تظن أنها ستُسعفها فى التسويف!
وفى مؤتمر المياه الدولى الأول، الذى انعقد فى بغداد 14 من هذا الشهر، كان الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الرى، حاضرًا ومشاركًا، وقال هناك على مسمع من المشاركين والحاضرين ما يمكن اعتباره جزرة تمتد بها يد القاهرة، بالتوازى مع العصا، التى لا نريدها ولا نفضلها ولا نحب أن نلجأ إليها!
ومما قاله الدكتور عبدالعاطى أن الوصول إلى اتفاق عادل وملزم فى قضية السد سوف يفتح الطريق بين دول حوض النهر الخالد أمام الكثير من فرص التعاون، والكثير من التكامل على شتى الأصعدة، والكثير من الاستثمارات التى يمكن أن تتحرك وقتها بين دول الحوض.. وفى القلب من هذه الدول الإحدى عشرة تأتى مصر والسودان وإثيوبيا بالضرورة!
ولابد أن هذه الوعود التى بذلها وزير الرى فى العاصمة العراقية كانت نوعًا من إشهاد الدول المشاركة على أن مصر لم تدخر جهدًا فى تقديم ما تستطيع تقديمه فى سبيل الوصول إلى حل، وأنها وهى تتحدث عن عوائد الوصول إلى هذا الحل إنما تريدها عوائد لغيرها بمثل ما تريدها لنفسها!
هذا منطق عملى معتدل ومعتبر، وهو ينتظر آذانًا صاغية فى إثيوبيا، ويأمل فى عقل منفتح هناك يتلقاه بإيجابية ويتطلع إليه بصدر مفتوح!