بقلم : سليمان جودة
كان الرئيس السيسي مثل حد السيف، وهو يقف خطيبًا على منصة الأمم المتحدة قبل أيام، ثم يقول إن موضوع ماء النيل بالنسبة لنا مسألة حياة وقضية وجود!.
والغالب أن «رسالة» الرئيس قد وصلت دول العالم كلها من خلال مندوبيها الذين حضروا الخطاب، ثم وصلت بالضرورة إلى إثيوبيا لعلها تنتبه إلى أن القاهرة تتكلم فى مسألة حياة وفى قضية وجود، بجد، وبكل المعانى التى يمكن أن تحملها العبارة!.
ولكنى أتساءل عما إذا كانت «الرسالة» نفسها قد وصلت كل مصرى على مستواه؟!.. فالماء الذى هو مسألة حياة وقضية وجود يدعونا ونحن نستهلكه إلى أن نكون على دراية حقيقية بقيمته، وأن نتصرف فى كل ساعة من حياتنا اليومية وفق مقتضيات هذه الدراية!.
لماذا أقول هذا الكلام؟!.. كنت قبل أسبوع فى مبنى حكومى شهير على النيل، وكانت الحنفية فى دورة المياه ترخ كما ترخ أمطار الشتاء، وكان الماء النازل منها يندفع إلى المجارى دون توقف، وعندما نبهت العامل الجالس على باب المكان، قال فى عجز إنه طلب إصلاحها منذ خمسة أيام، وإن أحدًا ممن أبلغهم لم يأخذ الأمر بأى جدية!.
غادرت المبنى حزينًا وأنا أرى أن رأس الدولة يقاتل فى نيويورك وهو يلقى خطابه الأخير فى سبيل القضية، ثم وأنا أرى أن الوعى بها لدى كثير من مواطنيه ليس بكل أسف على ذات المستوى!.
ورغم أن مبادرات كثيرة حول قيمة كل قطرة من الماء قد انطلقت من وزارات ومؤسسات، إلا أن الوعى الذى أرادت المبادرات ترسيخه فى أعماق كل مواطن لم يترسخ بعد، ولم يصل إلى ما يجب أن يصل إليه!.
فالأزهر الشريف أطلق مبادرة فى العام الماضى، كان شعارها: كل نقطة بتفرق!.. وهى مبادرة كانت ترغب فى لفت انتباه كل واحد منا إلى أن الماء الذى يستخدمه فى حياته يُحسب بالنقطة الواحدة، وليس بالكوب مثلًا، ولا باللتر، ولا بالمتر!.
وفى هذا العام، أطلق الأزهر مبادرة جديدة كان عنوانها: «حافظ على مياه مصر»!.. والمطلوب منك كمواطن فى المبادرتين، وفى كل مبادرة مقبلة أن تكون رشيدًا فى استخدام الماء، وألا تُسرف فى استخدامه ولو كنت على نهر يجرى بين يديك، وأن تنشر الوعى بقيمة كل قطرة فى محيطك الذى تعيش فيه!.
ولا تتوقف وزارة الرى عن إطلاق المبادرات فى هذا الاتجاه، وكان أشهرها مبادرة من أربع كلمات.. كل كلمة تبدأ بحرف التاء، مثل ترشيد، وتحلية.. وغيرهما!.
والمعنى أن الحنفية المفتوحة لخمسة أيام فى مبنى الكورنيش هى جريمة فى حقنا جميعًا، فليس أغلى من البترول فى هذا العصر سوى الماء.. ولكننا لا ندرى!.