بقلم سليمان جودة
على الدولة أن تنتبه بكل ما عندها من قدرة على الانتباه إلى أن قوانين الصحافة التى يراد تمريرها فى البرلمان غداً، تخص كل مواطن فى مكانه أكثر بكثير مما تخص كل صحفى، أو كل صاحب رأى فى حدوده!
وعليها أن تلتفت بالتالى إلى أن تمريرها، بينما هذا القدر من الانقسام حاصل حولها، سوف يحولها بعد التمرير إلى نوع من الحبر على الورق، لأنه من المهم لأى قانون، وليس لقانون الصحافة وحده، أن يكون موضع حد أدنى من الرضا من جانب الذين سوف ينظم هذا القانون حياتهم أو عملهم، وإلا فإنه يفقد شرعيته كقانون منذ لحظة صدوره.
القانون يخص كل مواطن لأن من حق هذا المواطن أياً كان مكانه فى مجتمعه أن يكون على دراية كاملة بما يدور فى بلده وأن يحصل على المعلومات الصحيحة والدقيقة، حول كل شؤون الحكم والبلد وأن يطمئن كمواطن إلى أن كل قرش من المال العام الذى هو ماله كدافع للضرائب فى النهاية يتم إنفاقه فى موضعه الصحيح تماماً وأن أى مسؤول يهدر هذا المال العام يخضع للقانون على الفور.. ولابد أن هذا كله وغيره مما هو فى معناه لن يكون متاحاً للمواطن.. أى مواطن مرة أخرى.. إلا إذا كانت عنده صحافة حرة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وإلا إذا صدر القانون الذى ينظم هذه الصحافة الحرة، وهو محل توافق عام لا محل انقسام حاد، كما هو حادث هذه الأيام!
كيف يمكن أن يمر القانون بينما نقابة الصحفيين ضده أو هى على الأقل تملك ملاحظات حقيقية عليه؟!.. وكيف يمكن تمريره، بينما المجلس الأعلى للصحافة يرى أشياء فيه لابد من أخذها فى الاعتبار؟!
الصور التى نشرتها الصحف فى هذا الشأن، صباح الخميس الماضى، كانت مخيفة، وقد كانت كذلك لأنها نقلت لقارئ الصحف أن هناك مجموعة جلست فى مجلس النواب وأعلنت رضاها عن القانون، وأن هناك مجموعة أخرى جلست فى النقابة، وأبدت عدم رضاها عنه هو نفسه، وأن هناك مجموعة ثالثة فى الأعلى للصحافة كان رأيها من رأى المجموعة الثانية، وأن المجموعتين الثانية والثالثة قد أرسلتا إلى رئيس الجمهورية تستغيثان وتحذران!
كيف يمكن أن يصدر قانون فى «أجواء» من هذا النوع، ثم يوصف بعد صدوره بأنه معبّر عن الجماعة الصحفية وكيف يمكن أن يوصف فيما بعد، وهذه هى الأجواء حوله قبل صدوره، بأنه يعبر فى مجمله عن الضمير الوطنى، أو الصحفى العام؟!
وبما أن المعترضين أرسلوا إلى رئيس الدولة، وبما أنهم يرضون به حكماً بين شتى الأطراف، فإننى أطالبه بأن يتدخل بحكم مسؤوليته وأن يطلب تأجيل التمرير فى البرلمان إلى أن يحظى مشروع القانون بما يجب أن يحظى به من توافق الجماعة الصحفية كلها، وإلا فإنه كقانون سوف يظل يوصف فيما بعد بالسمعة السيئة ذاتها التى يوصف بها «تعديل الهوانم» الذى طرأ على الدستور فى البلد، آخر أيام السادات!
أمور الصحافة لا تؤخذ بالقطاعى، كما يريد مشروع القانون المطروح أن يأخذها، وإنما تؤخذ معاً أو لا تؤخذ معاً، ولا شىء فى الوسط!