بقلم: سليمان جودة
ما أبعد المسافة بين المانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ما أعجب المفارقة التى جمعت بينهما مع انتهاء سنة قديمة وبداية سنة جديدة.
ففى 20 ديسمبر فوجئ رواد سوق تبيع شجرة عيد الميلاد فى مدينة ماجديبورج الألمانية بسيارة تقتحم السوق، ثم تدوس كل الذين أوقعهم سوء الحظ فى طريقها.. وكانت الحصيلة خمسة من القتلى ومائتين من المصابين والجرحى.
لاحقًا، تبين أن سائق السيارة لاجئ سعودى إلى ألمانيا منذ 2006، وأن اسمه طالب عبدالمحسن، وأن تغريداته على مواقع التواصل كانت تشير إلى تطرفه، وأن الحكومة السعودية حذرت السلطات الألمانية منه ومن أفكاره التى لم يكن يخفيها.. والأهم أنه كان قد تخلى عن إسلامه وصار ملحدًا لا يؤمن بأى دين!.
ولم يكن هناك اختلاف كبير بين اللاجئ عبد المحسن، والشاب شمس الدين جبار الذى استقل شاحنة ثم راح يدهس الناس فى أحد شوارع مدينة نيوأورليانز الأمريكية.
كان ذلك فى أول أيام هذه السنة، وكانت الحصيلة 15 قتيلًا وعشرات المصابين، وتبين أن شمس الدين فى الثانية والأربعين من عُمره، وأنه كان قد خدم فى الجيش الأمريكى، وأنه كان يضع علمًا من أعلام تنظيم داعش فى الشاحنة التى دهس بها القتلى والمصابين.. أما المعلومة الأهم فهى أنه كان قد اعتنق الإسلام قبل إقدامه على جريمته بفترة.. وأما اللافت فى القصتين فهو أن طالب عبدالمحسن تخلى عن الإسلام وارتكب ما ارتكب، وأن شمس الدين جبار اعتنق الإسلام فى المقابل وارتكب أيضًا ما ارتكب، ولولا أن البوليس قتله فى مكانه لكنا قد عرفنا منه أكثر من خلال ما كان عليه أن يعترف به ويرويه.
فى كل مرة يقع حادث إرهابى من هذا النوع أو من نوع آخر، ينصرف الذهن على الفور إلى ديانة مرتكب الحادث، وما إذا كان مسلمًا أم أنه يعتنق ديانة أخرى؟.. ثم ينصرف الذهن أيضًا إلى جنسيته، وما إذا كان عربيًا أم أنه من جنسية أخرى؟.
المفارقة الحقيقية فى الحالتين أن جبار أمريكى، وأن أمريكيته لم تقف حائلًا بينه وبين دهس الناس بغير سبب ولا مبرر، وأن خروج اللاجئ السعودى من الإسلام لم يمنعه من أن يرتكب حادثًا إرهابيا، وأن الإرهاب بالتالى ليس وقفًا على ديانة ولا على جنسية، وإذا أراد أحد دليلًا فليراجع حكاية عبدالمحسن وشمس الدين من أولها.