بقلم: سليمان جودة
على مدى السنة الماضية كلها، احتفلت فرنسا بمرور ٢٠٠ سنة على رحيل نابليون بونابرت فى ١٨٢١، وكان من مظاهر الاحتفال أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون زار قبره ووضع عليه باقة من الزهور!.ورغم المجد الذى حققه نابليون فى معاركه التى انتصر فى غالبيتها، فإنه مات مكتئبًا فى جزيرة سانت هيلانة، التى نفاه إليها الإنجليز بعد هزيمته فى معركة ووترلو الشهيرة.. هذه المعركة دارت جنوب بلجيكا ١٨١٥، ومن بعدها كانت بداية النهاية فأخذوه إلى الجزيرة الشهيرة التى تقع فى عمق المحيط الأطلنطى، وتبعد ١٥٠٠ كيلو عن أقرب شاطئ إليها!.
عاش بعد المعركة الأخيرة ست سنوات يستعرض حياته الحافلة أمام عينيه، ولسان حاله يردد العبارة التى كان يرددها مدى حياته ويقول: أعطنى جيشًا من الوعول يقوده أسد، لا جيشًا من الأسود يقوده وعل، وأنا أنتصر فى أى معركة!.
وعندما جلس المؤلف الأمريكى مايكل هارت يُحصى أعظم مائة شخص فى التاريخ، كان تقديره أن محمدًا، عليه الصلاة والسلام، هو رقم واحد، وأنه أعظم إنسان عاش على وجه الأرض.. وحين تستعرض الأسماء الواردة فى قائمة المائة الأعظم فى مسيرة البشرية، فسوف تلاحظ أن نابليون واحد منهم وأنه رقم ٣٤ حسب تقدير هارت!.
وقد بحثت عن تحتمس الثالث فى القائمة فلم أجده بكل أسف، ولو أن مايكل هارت راجع اختياراته فى كتابه الشهير لكان قد ضم تحتمس الثالث إلى المائة، ولكان قد اختار له موقعًا متقدمًا على نابليون نفسه لأن الذين درسوا سيرتى البطلين يقولون عن نابليون إنه تحتمس الغرب، وعن تحتمس إنه نابليون الشرق!.. وكثيرون ممن قارنوا بينهما يرون أن تحتمس أعظم لأنه لم ينهزم فى أى معركة خاضها، ولأن نابليون مات مهزومًا يتجرع هزيمته فى جزيرة الأطلنطى!.
ولو أنت زرت متحف الحضارة فى الفسطاط، فسوف ترى مومياء تحتمس الثالث مُمدَّدة هناك، وسوف تستعيد وأنت تتطلع إليها من وراء صندوقها الزجاجى شريطًا من الانتصارات عرفها مدى حياته، وسوف يدهشك أن تكون هذه هى احتفالات فرنسا بنابليون، وأن كثيرين منّا فى المقابل لا يعرفون أن بطلًا نادرًا فى تاريخنا اسمه تحتمس الثالث، ولا أنه مر ذات يوم من هنا!.
ولأن الدكتور مصطفى وزيرى من الدارسين الكبار لتاريخنا الفرعونى، فهو أول العارفين بفضل تحتمس الثالث، وأول الذين يقدمونه على نابليون فى كل مقارنة بينهما، وأول الذين يحملون ذكرى تحتمس الثالث إلى كل محفل يتحدث فيه حول العالم!.