بقلم : سليمان جودة
أغرب شىء فيما يحدث فى العراق هذه الأيام أن المتابع للأجواء الساخنة جداً هناك لا يسمع عن وجود أى نوع للرئيس العراقى، ولا يشعر بأثر.. أى أثر.. لوجوده فى منصبه!
ليس فيما أقوله تقليل من شأن الرجل بالطبع، فهو اسم محترم، كما أنه صاحب عقل كبير، لأنه فى الأصل دارس للفلسفة وقارئ لها، ولكن ما أقصده أن الرئيس فؤاد معصوم يجلس على الكرسى ذاته الذى جلس عليه صدام حسين لسنين، ولا يمكن أن يكون شاغل الكرسى حاضراً بقوة، فى حالة صدام، ثم يكون غائباً بالكامل عما يجرى فى البلد، فى حالة معصوم!
إننى أعرف أن الدستور الذى حكم به صدام مختلف كل الاختلاف عن الدستور الذى يعمل فى ظله الرئيس معصوم، وأعرف أن الدستور السابق وضع كل شىء دون استثناء فى يد صدام حسين، فضاع البلد على يديه وتعرض للغزو الأمريكى، فلما جاء دستور ما بعد الغزو جعل منصب الرئيس شرفياً، بحيث يكتفى صاحب المنصب بحضور المناسبات والحفلات!
أعرف هذا، وألعن الذى صاغ الدستور العراقى بهذه الطريقة، ولم ينتبه إلى أن بلداً فى حجم العراق وأهميته لا يمكن أن ينتقل من نظام حكم يضع الأمور كلها فى قبضة الرئاسة إلى نظام على النقيض، تغيب فيه الرئاسة نفسها عما يجرى فى الدولة، رغم خطورته البالغة على مستقبل العراقيين جميعاً!
وهل هناك ما هو أشد خطورة من أن يدعو مسعود بارزانى، رئيس إقليم كردستان فى شمال العراق، إلى استفتاء على استقلال إقليمه عن الدولة العراقية، فى الخامس والعشرين من هذا الشهر؟!.. هل هناك ما هو أشد خطورة من أن نصحو على العراق، صباح اليوم التالى للاستفتاء، وقد أصبح دولتين؟!
حدث بهذا الحجم كيف يغيب عنه رئيس العراق غياباً تاماً، فلا تسمع له صوتاً، ولاتقرأ له حرفاً.. تماماً كغياب القاهرة التى لم تعلق على الحدث بكلمة واحدة لوجه الله!
إننى أتابع اهتمام تركيا بالحدث، ومعها اهتمام إيران، والولايات المتحدة، وروسيا، وأبحث فى الوقت نفسه عن اهتمام عراقى رئاسى، أو مصرى، فلا أجد أى شىء، وكأن القصة على بعضها لا تعنينا!
وتكتمل المأساة حين تعلن إسرائيل أنها تؤيد قيام دولة للأكراد فى شمال العراق، وأن علاقتها بهم قوية للغاية، وعلى كل مستوى!
ثم تزداد المأساة مأساوية، عندما يجتمع البرلمان العراقى فى بغداد، ويقرر رفض إجراء الاستفتاء، وتفويض رئيس الوزراء حيدر العبادى باتخاذ ما يلزم للحفاظ على وحدة الدولة العراقية، فيجتمع البرلمان الكردستانى بعدها بساعات، ويعلن أن الاستفتاء سيجرى فى موعده!
يحيرنى غياب فؤاد معصوم عن الصورة غياباً كاملاً!