بقلم سليمان جودة
انضمت السعودية إلى دول غيرها فى المنطقة، أدركت الحكومة فى كل دولة منها أن آحاد الناس فيها لن يقبلوا بأن يعانوا فى الحياة وحدهم، وأن أعباء المعيشة لابد أن تتوزع على الجميع.. الجميع دون استثناء!
انضمت السعودية، بقرار من الملك سلمان، بخفض رواتب الوزراء والذين فى درجاتهم 20٪، وخفض 15٪ لأعضاء مجلس الشورى، مع قرارات أخرى فى ذات الاتجاه!
وكانت تونس قد قررت، أول هذا الشهر، خفض رواتب الوزراء 455 دولاراً، ثم كانت الكويت، قبلهما، قد قررت إلغاء كوبونات بنزين قيمتها توازى 40 ألف جنيه مصرى، كان كل عضو برلمانى يحصل عليها سنوياً.
فماذا جرى عندنا بالتوازى؟!.. لا شىء!
أقول لا شىء، وأنا أعرف أن راتب الوزير، 32 ألفاً فى الشهر، ثم وأنا أعرف أيضاً أن هذا مبلغ لا يكفى الوزير فى الحقيقة ليعيش حياة لائقة فى ظروف عصرنا، ولست ضد ضرب هذا الرقم فى اثنين، بل أدعو إلى ذلك بشرط أن يقدم كل وزير إقرار ذمة واضحاً، عند دخوله الوزارة، لنعرف، عند خروجه منها، كم كانت ثروته، وكم أصبحت، ومن أين؟!
أكاد أسمع أصواتاً الآن تقول إن 32 ألفاً إذا كانت لا تكفيه، فهناك فى المجتمع كثيرون لا يجدون 32 جنيهاً فى الشهر.. أكاد أسمع هذا وأقول إنى أعرفه، غير أنى أريد أن يكون دخل الوزير، ومن فى درجته، كافياً، وواضحاً، ومعلوماً للجميع، وفى النور، لا أن يقال إن راتبه 32 ألفاً ثم لا نقرأ له إقرار ذمة من أى نوع، ونراه فى الوقت نفسه يعيش فى مستوى لا توفره الـ32 ألفاً، ولو ضربناها فى عشرة!.. ولا نعرف من أين؟ بما يعنى أن هناك فرقاً بين الرواتب وبين المخصصات!
والحكاية، فى الحقيقة، ليست مجرد خفض فى رواتب الوزراء والكبراء، لأنك إذا حسبتها بالورقة والقلم سوف تكتشف أن ما سوف نوفره، لو اتخذنا قراراً مماثلاً لما جرى فى السعودية، أو فى تونس، أو فى الكويت، لا يتجاوز الملايين المعدودة على أصابع اليدين!
الحكاية أكبر من رواتبهم، ومن أى تنزيلات قد نجريها عليها.. الحكاية هى سياسات عامة رشيدة تحمى المال العام، ولا تهدره، ثم لا تنفقه إلا فى مكانه الصحيح، ولا تتهاون فى قرش صاغ فيه!
هل يعرف رئيس الحكومة، مثلاً، أن الذين حجوا هذا العام على نفقة الدولة، فى وزارة الصحة وحدها، كانوا 360 شخصاً، وأنهم أنفقوا 18 مليون جنيه؟!
وهل يعرف المهندس شريف إسماعيل أن وزير الزراعة.. مثلاً.. مثلاً.. يرفض تنفيذ قرار صادر عن مجلس الوزراء فى 20 يوليو الماضى، وأن عدم التنفيذ سوف يكلف البلد، ابتداءً من أول أكتوبر، ملياراً و200 مليون دولار؟!
الحكاية ليست حكاية رواتب وزراء وكبراء، ولكنها حكاية مال عام يجرى إهداره باليمين، وبعثرته بالشمال، فى دولة يذهب طلاب المدارس فيها، فى أكثر من محافظة، على ظهور الحمير، ثم فى بلد نقلت فيه الصحف، فى أول يوم دراسى، صورة لطفل لا يتجاوز السابعة وهو ينوء تحت «تختة» يحملها على كتفيه، لأنه لم يجدها فى الفصل الذى ذهب يتلقى داخله الدروس!!
مسكين.. لقد صدَّق أننا جادون فى التعليم!