بقلم: سليمان جودة
بينما كان العالم يتأهب لاستقبال هذه السنة الجديدة، كانت أكبر مُعمرة فى العالم تودع الدنيا عن عُمر ١١٦ سنة!.
المعمرة اسمها توميكو إيتوكا، وهى يابانية من مدينة أشيا، مولودة فى عام ١٩٠٨، وماتت فى ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤، وكانت قد أصبحت فى السنة الماضية أكبر مُعمرة فى العالم بعد وفاة المعمرة ماريا برانياس عن عُمر ١١٧ سنة.
وما أكثر المعمرين الذين رحلوا قبلها، وكذلك الذين سوف يغادرون بعدها، وقد كان سيدنا نوح، عليه السلام، هو أطول البشر عُمرًا، لأننا لم نقرأ عن أحد عاش بمثل ما عاش نوح، ولا حتى نصف أو ربع ما عاش.. فالقرآن الكريم يقول: «ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا».
فإذا كانت هذه هى سنوات الدعوة التى عاش فيها يدعو قومه، فالمعنى أن عُمره كان أطول من ذلك، لأنه ليس من المنطقى أن يكون قد بدأ الدعوة بمجرد ولادته.. ومع ذلك يتحدث القرآن عن أن الذين آمنوا معه كانوا قليلين، فيقول: «وما آمن معه إلا قليل».
وفى كل مرة ترحل مُعمرة أو مُعمر تنشط وسائل الإعلام فى الإشارة إلى الأسباب التى كانت وراء طول العمر.. وفى حالة السيدة إيتوكا مثلًا قرأنا أن الموز لم يكن ينقطع عن مائدتها!.. فكأن هذه الفاكهة تطيل العُمر، أو كأن هذه دعوة للذين يحبون أن يعيشوا طويلًا أن يأكلوها أكثر من سواها من أنواع الفاكهة.
وإذا اعتبرنا أن المدرسة اليابانية تتحمس للموز فى إطالة العمر، فالمدرسة الإنجليزية فى المقابل تتبنى التفاح باعتباره من أسباب جلب الصحة، ونحن نعرف المَثَل الإنجليزى الذى يتكلم عن أن الشخص الذى يتناول تفاحة واحدة يوميًا لن يعرف الطبيب.
ولو أنت مشيت وراء مثل هذه الأشياء فسوف تجد لدى كل شعب ما يعتقده ويؤمن به فيما يطيل العمر، وسوف تجد أنها كلها ثقافات شعوب وتجارب حياة، أكثر منها دراسات تقوم على أساس علمى مستقر، وربما تجد فيها الشىء وعكسه!.. والملك الحسن الثانى- يرحمه الله- كان من الأشراف، وكان تقديره الذى أعلنه خلال لقاء له مع ملك أسبانيا أن الأشراف لا يعمرون أكثر من ٧٠ سنة، والغريب أنه مات فى السبعين فعلًا، فلقد جاء الدنيا فى ١٩٢٩ وغادرها فى ١٩٩٩!.
ولم يتفق مُعمران اثنان على وصفة واحدة، فكل واحد كان يصف الشىء الذى يتصور أنه هو الذى أطال عُمره، وفى كل مرة نكتشف أن هذا الشىء ليس هو نفسه لدى الآخرين ممن عمروا طويلًا.. وهذا معناه أن الموضوع لا علاقة له بتناول طعام معين، وإلا لكان كل الناس قد أكلوا هذا الطعام المعين ليعيشوا طويلًا.. الموضوع أقرب إلى اللغز، ولأنه كذلك فالاجتهادات حوله بعدد الذين اجتهدوا فى تفسيره بعد أن عمروا!.