بقلم : سليمان جودة
رغم عدم وجود علاقة بين الحكومة فى إثيوبيا، وبين الجماعة الحوثية فى اليمن، إلا أن التأمل فى سلوك هذه الجماعة فى الكثير من الحالات مع الحكومة اليمنية فى صنعاء يمكن أن يساعدنا فى التعامل مع قضية سد النهضة بشكل من الأشكال!.
فجماعة الحوثى تفاوض حكومة اليمن من سنين، وقد كان التفاوض يجرى مرة فوق الأراضى اليمنية نفسها، ومرة أخرى فى استضافة الكويت، ومرة ثالثة على أرض السويد!.
وفى إحدى المرات ضاقت الحكومة الكويتية بمساومات الجماعة، فأعلنت بعد جولة واثنتين وثلاث من جولات التفاوض على أرضها أن هناك مشكلة لابد من الكشف عنها أمام الجميع، وأن هذه المشكلة هى أن الحوثى لا يكاد يتعهد بشىء حتى يرجع عنه فى اليوم التالى!.
وكانت هذه حقيقة ولا تزال.. وكان سببها أن الطرف الحوثى لا يتخذ قراره إلا بالعودة إلى حكومة المرشد فى طهران، فإذا حدث والتزم بشىء على المائدة ثم أحس بأن ما تعهد بالالتزام به ليس على هوى الحكومة فى إيران، تحجج بأى شىء وتحلل من التزاماته!.
وهكذا دارت المشكلة فى اليمن فى حلقة مفرغة، ولا تزال.. ولو أن الحوثيين تخلصوا من هيمنة النفوذ الإيرانى عليهم وتصرفوا وفق المصلحة اليمنية الخالصة، فسوف تجد القضية هناك حلًا فى خلال ساعات!.
وإحساسى أن هذا ينطبق كاملًا على الحكومة الإثيوبية التى نفاوضها فى ملف السد، سواء كانت الحكومة الحالية، أو الحكومة السابقة التى كان رئيسها فى القاهرة قبل أيام يبتسم للكاميرات ويعطى وعودًا، ثم فى اليوم التالى مباشرةً تتغيب بلاده عن الجولة الأخيرة من جولات التفاوض فى واشنطن!.
وقد تكرر التخلى عن الوعود.. والحديث عن شىء ثم التصرف بعكسه طول الوقت.. والكلام دون الفعل.. تكرر هذا كله حتى صار أمرًا مملًا، ومكشوفًا، وسخيفًا!.
وقد استمرأت الحكومة فى أديس أبابا هذه الطريقة فى التعامل مع الموضوع، وأصبحت أقرب ما تكون إلى الحاوى الذى كلما ملّ المتحلقون حوله من لعبة فى يده، أو من خدعة يمارسها أمامهم، دس يده فى الجراب تحت قدميه وأخرج لعبةً جديدة، أو راح يفكر فى خدعة مغايرة يستهلك بها وقت المتفرجين!.
ولسنا بالطبع متفرجين فى مسألة السد، إننا طرف قوى وأصيل، وأتخيل أن استحضار المثل الحوثى يمكن أن يمنحنا مدخلًا مغايرًا إلى هذا الملف، الذى طال التفاوض حوله واستطال بأكثر من اللازم!.
الكلام مع الحوثى فى اليمن لم يعد مجديًا، والمُجدى هو الكلام مع الذى يحرك الحوثى.. وكذلك بالضبط حكومة آبى أحمد فى العاصمة الإثيوبية.. فالمؤشرات كلها تقول إنها لا تتحرك من رأسها، وإن هناك طرفًا أو أطرافًا تحركها، وربما يكون علينا أن نخاطب هذه الأطراف قبل أن نخاطب إثيويبا.. فالتجربة تقول إن التوجه بالخطاب إلى حكومة آبى أحمد، باعتبارها صاحبة قرار مستقل فى الموضوع، ليس سوى مضيعة للوقت!.