توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النائحة المستأجرة على الأرض والقضية!

  مصر اليوم -

النائحة المستأجرة على الأرض والقضية

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

كل ما في الحروب سيئ، ولكن أسوأ ما فيها أن يقاتل على جبهتها رجال ليسوا طرفاً أصيلاً في القضية التي يدور حولها القتال!
وهذا هو ما بدأت الحرب في أوكرانيا تتجه إليه، وكانت البداية عندما قرر كل طرف من طرفيها الاستعانة بعناصر ليست روسية على الجانب الروسي، ولا هي أوكرانية على خط القتال الأوكراني، ولكنها عناصر جاءت من كل أرض إلا أن تكون هذه الأرض أرضاً روسية أو تكون أرضاً أوكرانية!
ولم يجد سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، أي حرج في أن يقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطاه الإذن بنقل عدد من العناصر الأجنبية إلى خط القتال في أوكرانيا، وإن هذه العناصر قادمة من الشرق الأوسط، وإن كل عنصر فيهم تقدم بطلب للالتحاق بالعمليات العسكرية، وإنهم - على حد تعبيره - متطوعون بادروا بإبداء الرغبة في التطوع فاستجابت لهم موسكو.
ولسنا في حاجة إلى بذل جهد كبير لندرك أنها عناصر قادمة من الأراضي السورية بشكل أساسي؛ لأن روسيا موجودة هناك من أيام ما يسمى «الربيع العربي»، ولأنها كانت تقاتل بهم وتستخدمهم في مساندة الحكومة السورية في دمشق، ولأن هذه العناصر تقاتل في كل الأحوال بالأجر، ولا فرق عندها بين أن يكون القتال على الجبهة السورية، وبين أن يتحرك شرقاً ليكون على الجبهة الروسية.
ومن المفارقات في هذه المسألة أن الحروف التي تتشكل منها كلمة روسيا، هي ذاتها التي تتكون منها كلمة سوريا، وكل ما تحتاجه حروف الكلمتين هو نوع من إعادة ترتيبها هنا مرة، وهناك مرة أخرى، وهذا تقريباً ما يحدث مع العناصر المقاتلة التي يعاد توجيهها من جبهة سورية قاتلت عليها إلى جبهة روسية ستقاتل عليها!
وقد نقلت وكالات الأنباء صورة للرئيس بوتين وهو يوقع ما يشبه الأمر العسكري بنقل عدد 16 ألفاً من عناصر الميليشيات والمرتزقة إلى جبهة القتال. وهذا العدد يشكل فرقة عسكرية كاملة، إذا تحدثنا بلغة العسكريين الذين يعرفون أن التشكيلات العسكرية المقاتلة تبدأ في السَّرِية ومن بعدها الفوج، ثم تمر بالكتيبة، ومن بعدها اللواء الذي يضم عدداً من الكتائب، وصولاً من بعد ذلك إلى الفرقة التي تجمع عدداً من الألوية.
وعندما يلجأ الروس إلى استخدام فرقة أجنبية كاملة العدد في عملياتهم العسكرية داخل الأراضي الأوكرانية، فهذا معناه أنهم يؤخرون قواتهم ويقدمون هؤلاء الذين يحاربون بأجر، والذين يجيئون إلى مواقعهم الجديدة ومعهم خبرة وتجربة قتالية اكتسبوها في الأراضي السورية.
وكان الأوكرانيون قد سبقوا بالإعلان عن تشكيل ما يسمى «الفيلق الأجنبي»، وقالوا إنه يتشكل من متطوعين جاءوا من كل أرض، وليس من الشرق الأوسط وحده، ولا من سوريا بمفردها، وأن عدد أفراد الفيلق يصل إلى 16 ألفاً من المتطوعين. ولا نعرف كيف يتساوى العدد هكذا على الجبهتين المتقاتلتين، ولكن ما نعرفه أنهما جبهتان دخلتا فيما يشبه السباق، وأن السباق هو في القدرة على تجميع أكبر عدد ممكن من الميليشيات والمرتزقة على إحداهما، ومن المتطوعين على الثانية، وأنه لا مشكلة لدى أي منهما في أن يقاتل السوري سورياً آخر على الجبهة المقابلة، كما ذكرت صحيفة «التايمز» البريطانية في تقرير أخير لها!
والراجح أن هؤلاء الذين يتشكل منهم الفيلق الأجنبي في أوكرانيا، ليسوا من المرتزقة ولا هم من الميليشيات في الغالبية منهم؛ لأن أوكرانيا ليست موجودة في سوريا ولا في الشرق الأوسط لتأتي بهم، ولأن حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي ليست على قدر من الثراء يجعلها قادرة على الوفاء بأجورهم العالية، ثم تكاليفهم الأعلى عندما ينضمون إلى الصفوف المقاتلة على جبهتها. ولكن هذا لا يمنع أن يكون بينهم مأجورون يحاربون على الجبهة التي تدفع، ويقاتلون في الصف الذي يتكفل الأجر ومصاريف المعيشة!
ومما نشرته «الشرق الأوسط» مثلاً من خلال مراسلها هناك، فداء عيتاني، على لسان متطوع بريطاني وآخر أذربيجاني، يتبين أن النسبة الغالبة من المتطوعين للقتال في الفيلق الأجنبي هُم من المتطوعين الذين جاءوا عن إيمان بشيئين اثنين؛ الأول أن أوكرانيا هي الطرف الأضعف في الحرب الدائرة، والشيء الثاني الذي يؤمنون به هو أنها صاحبة قضية عادلة تدافع عنها، وتدعو العالم الحر إلى أن يقف معها دفاعاً عن عدالة قضيتها.
وبصرف النظر عن مدى صحة ما يعتقده المتطوعون معها في هذا الشأن، فإن هذا هو إيمانهم، وهذا هو اعتقادهم، وهذا هو يقينهم الذي يتحركون على أساسه. وليس أقرب إلى حال كل مقاتل بالأجر على الجبهتين، إلا حال النائحة التي تكلم عنها العرب قديماً فقالوا: إن النائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة.
أما النائحة الثكلى فهي المرأة التي فقدت عزيزاً عليها، والتي تظل تبكيه وتذرف الدمع عليه عن صدق في الألم وعن معاناة في الوجع، وأما النائحة المستأجرة فهي المرأة التي يأتون بها لتبكي فقيداً لا تعرفه، ولم يحدث أن رأته في حياتها، ولا يكون مطلوباً منها سوى أن تظل تصرخ عليه وتلطم خديها وتعدد محاسنه، وهي تفعل ذلك بكل حيلة ممكنة، وتتقاضى أجرها في آخر النهار، وتنصرف!
وربما تكون الخنساء في تاريخنا العربي هي أشهر نائحة ثكلى، وهي أصدق النائحات من هذه النوعية من النساء، فلقد بكت أخاها صخراً بما لم يحدث أن بكت به امرأة سواها أخاها، وقد عاشت من بعده تردد بيتها الشهير: فلا والله لا أنساك حتى أفارق مهجتي ويُشَق رمسي!
والشيء المؤكد أنه ليس بين العناصر التي ستقاتل على الجبهة الروسية عنصر من نوع الخنساء في زمانها، ولا كذلك على الجبهة الأوكرانية إلا في أقل القليل ممن آلمهم أن تهجم روسيا على أوكرانيا هذه الهجمة، وليس بين الجيشين من عوامل القوة على أي مستوى ما يجعل القتال بينهما قتالاً بين قوتين متكافئتين.
وكما تغيب المشاعر الصادقة عن النائحة المستأجرة، فنراها تبكي من تبكيه من وراء قلبها، فإن الشيء نفسه يغيب عن المرتزق الذي نراه يدافع عن أرض ليست أرضه، ولا هو يؤمن بقضيتها، ولا بعدالتها، أو نراه يشارك في معركة ليست معركته، ولا هو على يقين في جدواها!
وليس أسوأ من أن يجري امتهان الأرض والقضية في الحرب على أوكرانيا على هذه الصورة السافرة، فيقاتل من أجل الأرض من لا ينتمي إليها، ويدافع عن القضية من لا يعتقد فيها ولا يراها عادلة!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النائحة المستأجرة على الأرض والقضية النائحة المستأجرة على الأرض والقضية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 10:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم

GMT 21:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى عبد الغني توجّه رسالة إلى محمد صلاح

GMT 17:26 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 20 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:09 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا ترد على رسالة طالب جامعي بطريقة طريفة

GMT 11:06 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للبنوك المصرية

GMT 19:10 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أسعار الكتاكيت في مصر اليوم الجمعة 25 سبتمبر 2020

GMT 15:28 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

تعيين تركي آل الشيخ رئيسًا للاتحاد العربي لكرة القدم

GMT 16:33 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

جلوس صيف 2016 تتألق باللون الرمادي

GMT 17:06 2021 الثلاثاء ,07 أيلول / سبتمبر

لطيفة تطرح كليبها "الأستاذ" برفقة شقيق أمير كرارة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon