بقلم : سليمان جودة
دعا الدكتور فهد الحارثى، رئيس منتدى أسبار الدولى، إلى الدورة الرابعة من المنتدى فى الرياض، وكانت كلمة «المستقبل» هى القاسم المشترك الأعظم فى الجلسات التى دامت يومين!.
أما الإعلام فكان نصيبه فى أعمال المنتدى مضروباً فى اثنين: مرة من خلال جلسة كانت تتلمس مستقبله وتستطلعه، ومرة أخرى من خلال مناقشة جرت حول ترجمة الطبعة السادسة لكتاب مهم، صدر عن المنتدى للمؤلف الأمريكى الأوروبى دينيس ماكويل!
الطبعة السادسة صدرت ٢٠٠٧، والكتاب عنوانه: «نظرية ماكويل للاتصال الجماهيرى».. ويقع فى ألف صفحة تقريباً وصدر فى طبعته الأولى ١٩٨٣!.
وإذا كان التساؤل عن التوقيت الذى ظهر فيه مفهوم «الاتصال الجماهيرى» قد طاف فى عقلك، وأنت تطالع هذه السطور، فالمؤلف الذى رحل قبل عامين يجيب عليه طبعاً، ويقول إن ذلك كان فى عشرينيات القرن العشرين، عندما وصلت الإذاعة والصحافة المطبوعة والسينما إلى العدد الأكبر من الجماهير!.
وربما لانزال نذكر أن وصول هتلر إلى جماهيره التى آمنت بأفكاره وبما كان يفعله، كان من خلال الإذاعة دون غيرها من وسائل الاتصال الجماهيرى المتوفرة وقتها.. تماماً كما كان وصول الخمينى إلى جماهيره فى إيران من خلال شريط الكاسيت!.
وإذا كان التليفزيون قد انضم لاحقاً إلى الإذاعة والصحافة المطبوعة والسينما، فكلها أصبحت معروفة هذه الأيام بأنها وسائل الإعلام التقليدى، فى مواجهة ما يُعرف بالإعلام الجديد، الذى يتوفر عبر وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإخبارية الإلكترونية!.
وكان تقدير ماكويل فى كتابه عن مستقبل الإعلام التقليدى أن تاريخ الإعلام أثبت أن جميع وسائل الإعلام قادرة دائماً على التكيف والبقاء!.. وكان تقديرى أنه كان مدعواً إلى إضافة كلمة ثالثة بعد التكيف وبعد البقاء، هى: التأثير.. فالعبرة ليست بالقدرة على التكيف وحده، ولا بالقدرة على البقاء وحده، ولكنها بالقدرة على التأثير الفاعل!.. وهو نفسه ذكر أن استطلاعاً جرى فى واشنطن عن أحداث سبتمبر ٢٠٠١، كشف عن أن ٥٠٪ من الأمريكيين عرفوا بما حدث من أشخاص آخرين، وأن ٣٣٪ عرفوا من التليفزيون، وأن ١٥٪ عرفوا من الإذاعة!.. والمعنى أن الإذاعة التى كانت إحدى وسائل الاتصال الجماهيرى فى بدايات القرن العشرين، صمدت وظلت قادرة على الاحتفاظ بقدرة على التأثير، توازى نصف تأثير التليفزيون تقريباً، فى أول القرن الحادى والعشرين!.. ولكن التأثير بالطبع لا يمكن أن يتم دون حرية مُتاحة فى الأجواء، ودون مضمون حقيقى يصل المتلقى ويخاطب عقله قبل وجدانه!.