بقلم : سليمان جودة
نظرة شاملة على المنطقة العربية من حولك، سوف تكشف لك أن يداً غير مرئية تنشط فيها، وأن هذه اليد الخفية تتنقل بين جبهات المنطقة، فى خفة ورشاقة، فنستيقظ على جبهة منها، وقد وصلت من السخونة إلى ما يقرب من حد الذروة، وفى المقابل تبقى سائر الجبهات فى برودة دول الشمال!
فقبل أسابيع كانت جبهة الخليج مع إيران مشتعلة، وكانت الحرب عليها واردة ومتوقعة، وكانت حاملات الطائرات تروح، وقاذفات القنابل والصواريخ تجىء، وكان الحشد على كل جانب يقوى ويشتد، وكانت أنظار الدنيا كلها تتوجه إلى هناك!
ولكن حدة التوتر خفت فجأة إلى الحد الذى لا يكاد أحد يعرف الآن ما هو أصل المشكلة التى كانت قائمة على هذه الجبهة من جبهات المنطقة!
وفى مرحلة لاحقة من مراحل الأزمة فى الخليج، بدا الأمر وكأن مُخرج المشهد قد أشار بتوجيه أضواء الكاميرات إلى منطقة جبل طارق، فانتقل الاهتمام من الخليج فى أقصى الشرق، إلى جبل طارق فى أقصى شمال الغرب، حيث كانت ناقلة البترول الإيرانية جريس ١ محتجزة على يد البحرية البريطانية!
وراحت الكاميرات تتابع الناقلة فى كل اتجاه بعد أن جرى الإفراج عنها، ووجدنا أنفسنا نتابعها وهى تطرق باب شواطئ اليونان مرة، ثم شواطئ تركيا مرةً ثانية، ومن بعدها شواطئ لبنان، فشواطئ سوريا.. وأخيراً أخيراً.. قيل إنها شوهدت لآخر مرة على أجهزة الرصد المختصة فى المنطقة الواقعة فى البحر بين سوريا وقبرص.. ومن بعد هذه المرة أغلقت الناقلة جهاز الإرسال والاستقبال!
ومع اختفاء الناقلة التى تغير اسمها من جريس ١ إلى أندريا داريا ١، استدارت الكاميرات إلى جبهة أخرى فى المنطقة على اتساعها!
وكانت الجبهة هذه المرة فى المساحة المحدودة الممتدة على حدود لبنان مع إسرائيل، حيث يسيطر حزب الله وتستقر عناصره!
وفى ساعات قليلة كان الطرفان: الحزب وتل أبيب.. يتبادلان القصف المحسوب، ثم كانت قوات كل طرف تعود إلى مواقعها فى هدوء، انتظاراً لجولة أخرى قد تكون أقوى وأوسع!
وهكذا.. كانت المنطقة تسخن وتبرد على امتداد أسابيع، ما بين الخليج فى الشرق، والمضيق فى الشمال، ولبنان فى الوسط!
تسأل نفسك مجرد سؤال: لماذا يجرى هذا فى منطقتنا دون باقى مناطق العالم؟!.. هل لأن إرادتها ليست فى يدها؟!.. ربما يكون هذا هو الأقرب إلى الصواب!.. فالمُخرج يحرك كاميراته فيها بالسهولة التى يحرك بها أصابعه!