سليمان جودة
توقفت فى قضية لبن الأطفال أمام عبارة للمتحدث باسم القوات المسلحة، العميد محمد سمير، يقول فيها إن الجيش تدخل فى الأزمة بعد أن لاحظ أن الشركات المختصة باستيراد عبوات اللبن تمارس احتكاراً فيها، للمغالاة فى أسعارها ومضاعفة معاناة الناس!
والحقيقة أن التدخل السريع للجيش فى الموضوع خطوة تظل محسوبة له فى إطارها، وليست عليه أبداً، كما أراد الذين راحوا يشوشرون على القصة كلها، بهدف النيل من الجيش، وليس لأى هدف آخر!
غير أن هذا يجعلنا نتساءل على الفور: أين جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، وماذا فعل بالضبط فى هذا الملف؟!
ربما سوف يسمع بعض القراء عن جهاز بهذا الاسم، لأول مرة من خلال هذه السطور، وربما أيضاً سوف يستغرب كثيرون بيننا أن يكون عندنا جهاز بهذا الاسم، وبهذه المهمة التى يشير إليها اسمه، ثم لا نسمع عنه حساً ولا خبراً، منذ بدأت حكاية ألبان الأطفال إلى اليوم.. أين هو، وماذا فعل؟! وإذا لم يكن قد فعل شيئاً، فهل يعود ذلك إلى عجز ذاتى فيه، كجهاز، بحكم لائحة عمله وبنودها، أم أن هناك جهات فى الدولة تقيد عمله وتعوقه عن أداء مهمته؟!
لقد نشأ الجهاز فيما قبل 25 يناير 2011، وقت أن كان عدد من رجال الأعمال موجودين فى السلطة، وقيل وقتها إنه سوف يحاول منع اختلاط المال بالسلطة، وأنه سوف يضمن إبعاد مال رجل الأعمال عن أن يختلط بنفوذه فى موقع سلطته، وأن زواج المال مع السلطة، كما راج فى ذلك الوقت، لن يتم، وأن.. وأن.. إلى آخر ما قيل يومها عن طموحات ينتظرها المواطن من جهاز، هذه هى طبيعة المهمة التى عليه أن ينهض بها فى مجتمعه!
ولكن.. لم يلبث صوت الجهاز حتى خفت، ولم تلبث صورته حتى توارت، ولم يعد أحد من مواطنينا يعرف، ما إذا كان لايزال موجوداً، ويقوم بما يجب أن يقوم به، أم أنه انزوى، وتوارى، واختفى، بإرادة منه، أو بضغط عليه، أياً كان السبب، فلا فرق، لأن النتيجة فى الحالتين واحدة!
لو قام الجهاز بمهمته، لكان قد منع الشركات، التى أشار إليها العميد سمير، من ممارسة الاحتكار، ولكان قد وفر على الجيش التدخل، ولكان أيضاً قد رفع المعاناة عن الناس، ثم كان أيضاً سيجعلنا فى غنى عن الحملة المؤسفة التى استهدفت الجيش.
يقال دوماً إنه لا يجوع فقير إلا بتخمة غنى، وبالقياس يمكن القول، إن الجيش لا يتدخل فى أزمة هذه الأيام، إلا لعجز فادح فى جهة مدنية، عن أداء واجبها تجاه وطنها.. فإلى متى؟!.. ولماذا لا نحاسب هذه الجهات، على تقصيرها، ونرفع أسباب عجزها، بدلاً من أن نجلب هجوماً على جيشنا العظيم فى كل مرة، وبلا أى مبرر؟!.. إلى متى، ولماذا؟!.. هذان هما السؤالان الحائران!