بقلم : سليمان جودة
المشاهد الذى أدار ظهره للغالبية من أعمال رمضان على الشاشة الصغيرة، هو مشاهد لم يفعل ذلك من فراغ، ولكنه هارب من إفساد الإعلانات وباحث عن أعمال فنية تحمل «رسالة» إليه وتحترم عقله، وأظن أنه قد وجدها بامتياز على شاشة قناة ماسبيرو زمان!
وإذا كنت أنت من بين مشاهدى هذه القناه، فأنا أرشح لك برنامجاً سوف تجد فيه ما تحبه، وسوف تصادف فيه ما تنتظره، إذا ما جلست لتشاهد عملاً يعرف صانعوه منذ اللحظة الأولى فى إعداده، أن المشاهد إنسان له عقل فى رأسه، وأنه لا بديل عن تقديم ما يغذى هذا العقل ويرتفع به ويعطيه!
البرنامج اسمه «النهر الخالد».. وهو حوار على حلقات جرى مع «محمد عبدالوهاب، أبوعيسى الشعرانى» الشهير بالموسيقار محمد عبدالوهاب!.. وتعرضه القناة بعد منتصف الليل يومى الثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع!
وهو ليس كأى برنامج، لأن هناك ما يميزه على كل مستوى، وأول شىء أنه يقدم حياة عبدالوهاب من خلال حوار ممتد معه هو، وبلسانه هو، وبروايته عن نفسه هو!.. ولذلك، فأنت لا تسمع عنه ولكن تسمع منه، باعتباره صاحب شأن يستعرض حياته بطريقته الهادئة التى تعرف كيف تصل إلى عقلك ووجدانك معاً!
والميزة الثانية أن عبدالوهاب لا يحاور نفسه على مدى الحلقات، ولكن يحاوره رجل يعرف كيف يوجه الحوار إلى حيث يريد المشاهد، وكيف يستدرج صاحب الحوار إلى مناطق عليه أن يذهب إليها فى حواره، وكيف يجتذبه برفق إذا ما غادر شاطئ الحوار إلى مساحات ليست هى التى يدور الحديث على أرضها ويجرى الكلام فى حدودها.. هذا الرجل الذى يمسك دفة الحوار بذكاء ظاهر هو سعد الدين وهبة!
وهناك ميزة ثالثة ليست أقل قيمة مما سبق، وهى أن اللوحات المرسومة التى تظهر لعبدالوهاب فى المقدمة، جرت بها أصابع فنان كبير اسمه مصطفى حسين!.. فإذا تجاوز المشاهد مقدمة البرنامج بلوحاتها البديعة، وجد نفسه على موعد مع صوت سميحة أيوب فى التعليقات التى تتخلل البرنامج عن أحداث عاشها عبدالوهاب مدى عمره، وكانت جزءاً من نسيج حياته!
وفى ختام كل حلقة سوف يظهر لك اسم المخرجة آمال عزت التى كانت قادرة على جمع كل هذه المزايا فى برنامج واحد، فكان عملاً كامل الأوصاف حقاً، لأنك إذا لم يستوقفك عبدالوهاب فيما يحكى ويروى.. وهذا فى الغالب لن يحدث.. فسوف تجد حاجتك من الفن الراقى لدى سعد وهبة فى مقدرته، أو لدى الكبيرة سميحة أيوب فى أداء صوتها، أو لدى مصطفى حسين فى خطوطه التى لا تخطئها عين!