بقلم : سليمان جودة
المقالة التى كتبها الدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة الأسبق، فى هذه الجريدة، صباح الأمس، عن الأشياء التى وقفت تتحدى كل محافظ على أرضها، لابد أنها قد أيقظت مواجع أبناء العاصمة!
كان برج الزمالك الشهير ولايزال هو أكبر التحديات، لأنه يقف فى وسط الحى الراقى بأدواره الخمسين، دون أن يتمكن المحافظون الذين تتابعوا على قاهرة المعز من فتح أبوابه!.. يمر الجميع على هذا البرج الدائرى، وهو مستقر فى مكانه، وكأنه رمز راسخ نحرص على ألا نفرط فيه!
ولا جدوى الآن للبحث عن الموظف الذى وافق على أن يرتفع برج بهذا العدد من الطوابق، دون أن يكون أسفله جراج يستوعب سيارات المترددين عليه.. لا جدوى من ذلك.. والأجدى أن نفتش عن طريقة تدب بها الحياة فيه، فلا يظل فى موضعه هكذا رمزًا للعجز والفشل!
إنه مجاور لنادى الجزيرة، وتستطيع الحكومة حل مشكلته إذا فكرت فى بناء جراج له تحت أرض النادى، دون أن يكون فى ذلك بالطبع أى إضرار بنادى الجزيرة، ولا بحدائقه، ولا بحقوق أعضائه!.. إن فى العالم حولنا سوابق من هذا النوع، وربما كانت حديقة هايد بارك فى لندن هى الأشهر، لأن الجراج الموجود تحت أرضها الممتدة لم يؤثر بشىء على أشكال النشاط فيها، ولا على أشجارها، ولا على مساحات الخضرة الشاسعة هناك، ولا حتى على بحيراتها التى يعرفها كل الذين زاروها!
وبرج الزمالك ليس هو الحالة الوحيدة، فلاتزال عمارة جاردن سيتى المطلة على السفارة الإنجليزية مغلقة مثله تمامًا، ولايزال السبب فيها هو ذاته السبب فى البرج!.. وعلى مسافة خطوات منها يقف فندق ميرديان مغلقًا هو الآخر منذ سنوات!
هذه مجرد أمثلة ثلاثة.. وإذا كان من درسٍ يمكن أن يكون مفيدًا فيها كلها وفى غيرها فى المستقبل، فهذا الدرس هو أن العبرة ليست بمجىء المستثمر يشترى الأصول هنا وهناك.. ولكن العبرة هى بعدد فرص العمل التى سوف يتيحها فى المكان، وهى بقدرته على أن يحرك، ويعمل، ويوظف.. والعبرة هى بأن يكون ذلك كله واضحًا منذ البداية، وأن يكون منصوصًا عليه فى العقد مع أى مستثمر يأتى ويشترى أصولًا، وأن تكون فى انتظاره عقوبات منصوص عليها أيضًا إذا لم يلتزم بما وقّع عليه!
القاهرة عندها من المواجع ما يكفى، ولم تكن بالتالى فى حاجة إلى عجلة دوارة فى مدخل الزمالك تضيف على مواجعها وتزيد!.